التحقيق في أكبر قضية فساد بفرنسا.. تفاصيل مُثيرة

شركة أوبر
شركة أوبر

كتبت: مي السيد

..يواجه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أول محنة عقب وصوله لكرسى الرئاسة للمرة الثانية، والتى وصفها مراقبون بأنها كانت معركة شرسة مع عدوته اللدودة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، والتى كاد فيها أن يسقط لولا دعم الأقليات والجاليات والمهاجرين له فى حملته الانتخابية التى فاز بها بفارق قليل عن منافسته.
المحنة الجديدة أو الفضيحة كما تروج لها وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية لا تتعلق بفترة جلوسه على كرسى الرئاسة تلك المرة ولا خلال الفترة الأولى أيضًا، ولكن تتعلق بأحداث تمت عندما كان وزيرا للاقتصاد فى فترة الرئيس السابق فرانسوا هولاند بين عامى 2014 و  2019.

فوجئت صحيفة الجارديان البريطانية بمجهول يرسل لها آلاف الوثائق تعود للأعوام 2013 حتى 2017، تتضمن 124 ألف مستند، بما فيها رسائل بريد إلكترونى بين مدراء الشركة ومذكرات وفواتير مختلفة، تابعة لشركة أوبر الأمريكية عملاق التوصيل الرقمى فى العالم، وقالت الصحيفة إنها تشاركت تلك الوثائق مع الاتحاد الدولى للصحافيين الاستقصائيين الذى يضم حوالى 40 وسيلة إعلامية عالمية بينهم لوموند الفرنسية.

وقالت الجارديان؛ إن الوثائق تثبت قيام الشركة بخرق القانون وخداع الشرطة والمنظمين واستغلال العنف ضد السائقين، بل وقيامها بالضغط سرًا على الحكومات والزعماء وأصحاب النفوذ حول العالم من أجل تحقيق أهدافها، من بينهم الرئيس الأمريكى جو بايدن عندما كان نائبًا للرئيس الأسبق باراك أوباما والمستشار الألمانى الحالى أولاف شولتس عندما كان عمدة إحدى المدن.

كان من أخطر ما نشرته الجارديان هو قيام الشركة بتشجيع السائقين في دول أوروبية مختلفة مثل بلجيكا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا على المشاركة فى المظاهرات وحشد السائقين لتقديم شكاوى للشرطة عندما كانوا يتعرضون للاعتداءات وذلك فى محاولة لجذب انتباه وسائل الإعلام المختلفة بغرض الحصول على تنازلات من السلطات المختلفة فى كل بلد.

محاصرة ماكرون
فى الوقت الذى كان فيه ماكرون متواجدًا فى قصر فرساى التاريخى لعقد النسخة الخامسة من منتدى خيار فرنسا الذى يهدف لجذب استثمارات أجنبية للبلاد، الذى أعلن من خلاله عن 14 مشروعًا استثماريًا جديدًا بقيمة إجمالية تصل إلى 6.7 مليار يورو، وتوفر ما لا يقل عن 14 ألف فرصة عمل جديدة، جاء تقرير صحيفة لوموند الفرنسية حول وثائق أوبر لتنزل كالصاعقة على رؤوس المسئولين فى قصر الإليزيه.

كانت صحيفة  لوموند الفرنسية من بين الحاصلين على الوثائق الخاصة بشركة أوبر، حيث أفردت تقريرًا بعنوان «صفقة سرية» بين الرئيس إيمانويل ماكرون وشركة «أوبر» الأمريكية العملاقة المتخصصة بنقل الأشخاص، وتتمثل تلك الفضيحة؛ باتهام الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بأنه تساهل بصورة كبيرة مع شركة أوبر الأمريكية، مقدما تساهلات على حساب مالكى سيارات الأجرة الفرنسية، وذلك عندما كان وزيرًا للاقتصاد فى حقبة الرئيس السابق فرانسوا هولاند.

ونشرت الصحيفة تفاصيل كثيرة حول عدد من اللقاءات والاتصالات التى تمت بين مسئولى أوبر والرئيس الفرنسى الحالى شخصيا بجانب فريق عمله الوزارى، حيث كانت تلك الاجتماعات تتم فى مكتب ماكرون شخصيًا بالمجمع الحكومى الاقتصادى بشرق باريس، وأظهر التحقيق الصحفى عن تبادلات كثيرة من المواعيد والمكالمات والرسائل القصيرة بين فريق «أوبر فرنسا» من جهة وماكرون ومستشاريه من جهة ثانية.

وكشف التقرير؛ أن ماكرون قدم مساعدات كبيرة للشركة من أجل تعزيز تواجدها فى السوق الفرنسى التى دخلته عام 2011، وهو العام الذى شهدت فيه شوارع باريس احتجاجات ومظاهرات من سائقى الأجرة بعدما وجدوا فى أوبر منافسا غير شرعى، وشهدت البلاد اختناقات كبيرة فى المدن ومظاهرات من الحركات الاجتماعية.

وأكدت الوثائق؛ أن أوبر أفسح المجال للشركة للتغلغل داخل السوق الفرنسى، بدون أن يتم ملاحقتهم لدفع الضرائب ومخالفة القانون، عن طريق تشغيل السائقين بدون موافقة وزارة النقل الفرنسية، فى محاولة للالتفاف على التنظيم الحكومى الصارم لقطاع النقل فى فرنسا، وذلك من خلال ما وصفته الصحيفة بالصفقة السرية بين أوبر وماكرون، عن طريق العلاقات والروابط بين الطرفين، مستشهدة برسائل نصية وشهود لتلك الصفقة.
وكالة فرانس برس تواصلت مع شركة أوبر فرنسا وكان الرد مقتضبا، بأن الجانبين كانا على اتصال والاجتماعات تمت مع الرئيس ماكرون فى إطار مهمته كوزير للاقتصاد الفرنسى ليس أكثر من ذلك.

هجوم المعارضة
استغلت المعارضة الفرنسية واليمين المتطرف تلك التقارير الصحفية المختلفة، وشنت هجومًا حادًا على الرئيس ماكرون، واتهمته بإبرام صفقات سرية على حساب الفرنسيين، مطالبين بفتح تحقيق داخل البرلمان حول تلك الوثائق المسربة، وجاء الهجوم الأول من توماس تيفنو وزير الدولة للتجارة الخارجية والترويج السياحى في الحكومة وقتها، والذى قال؛ أنه كان قد  قدم مشروع قرار وافق عليه البرلمان عام 2014 يضع إطارًا قانونيًا متشددًا بعض الشيء للعاملين فى شركة أوبر.

وأضاف الوزير السابق؛ أن ما حدث حول تدخل الوزير ماكرون جاء بعد أن أصبح القانون نافذًا ما يفهم أنه التفاف عليه، واصفًا ماكرون بأنه كان المحاور الأفضل لشركة أوبر ، قائلاً بالنص؛ «ماكرون سعى دوما لفرش السجاد الأحمر تحت أقدام الشركة الأمريكية»، موجها تساءلاً فى نهاية تصريحاته لوسائل الإعلام الفرنسية عن الدور الذى لعبته رئيسة الحكومة الحالية إليزابيث بورن عندما كانت وزيرة المواصلات ولاحقًا وزيرة العمل داخل الحكومة نفسها.

أيضا شن المرشح الرئاسى الخاسر جان لوك ميلونشون رئيس المجموعة البرلمانية لحزب فرنسا المتمردة هجومًا على الرئيس الفرتسي، حيث أكد أن ما حصل فضيحة دولة، معتبرين أن ما فعله ماكرون هو مساهمة فى عملية نهب للبلاد، مطالبين بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول الحادث، كما قال نائب بنفس الحزب؛ أن ماكرون أهمل فى خدمة مصالح المحتالين على حساب مصالح الشعب، وسهل عملية دخول رأس مال الشركة للسوق بدون رقيب.

الحزب الشيوعى الفرنسى لم يفوت الفرصة حيث اتهم الأمين العام للحزب فابيان روسيل ماكرون بأنه ضرب بعرض الحائط قواعد وحقوق العمال الفرنسيين بعد أن مد يده لأوبر، مؤكدًا أنه اختار الوقوف إلى جانب عالم الأعمال والشركات متعددت الجنسيات بدلا من توفير الحماية للفرنسيين وعالم العمل العام.

بدوره تحدث رئيس حزب «التجمع الوطنى» اليمينى المتطرف جوردان بارديلا؛ عن أن مسيرة ماكرون تبين هدفه فى خدمة المصالح الخاصة على حساب المصالح الوطنية، بينما قال رئيس المجموعة الاشتراكية فى مجلس الشيوخ  باتريك كانر إن ماكرون يعتبر بذلك عميل رئيسى للترويج للوبى أوبر وأوصل مجموعات اللوبى إلى قلب السلطة.
من جانبه نفى الرئيس الفرنسى الأسبق فرانسوا هولاند معرفته بالصفقة وذلك على مستوى الإليزيه على الإطلاق، مرجحًا أنه لو تم ذلك فهو لم يكن يعلم به.

ماكرون يرد
بعد الهجوم العنيف من المعارضة اضطر قصر الاليزيه لنشر تصريح عبر وكالة الصحافة الفرنسية أكد فيه أن ماكرون كان فى ذلك الوقت وزيرا للاقتصاد، ومن الطبيعى أن يكون على اتصال مع عدد كبير من الشركات المشاركة فى التحول الرقمى الذى حصل على مدى تلك السنوات فى قطاع الخدمات وهو تحول كان لابد من تسهيله من خلال فتح العوائق الإدارية والتنظيمية».

ويبدو أن ذلك الرد الرسمى لم ينل إعجاب المعارضة والحركات الاجتماعية، مما اضطر ماكرون نفسه للخروج والإدلاء بتصريحات حول الموضوع حيث قال خلال افتتاحه لموقع انتاج مكونات إلكترونية بجنوب شرق فرنسا؛ إنه فخور بما حققه ومستعد لمعاودة الكرة غدا وبعد غد، بشرط أن تفضى إلى ايجاد فرص عمل جديدة.

ورد ماكرون على انتقادات المعارضة بقوله إنه غير آبه بما تقوم به، وإنه اعتاد على الانتقادات منذ خمس سنوات ونصف السنة، مشيرًا إلى أنه بادر منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية إلى توطيد عمل المنصات والشركات الرقمية الأجنبية على المستوى الفرنسى وعمل داخل الاتحاد الأوروبى للغرض نفسه.