فلسفة الصوم واحدة فى الإسلام والمسيحية وهى تربية الإنسان على الخشوع

صيام وأعياد تجمع المسلمين والمسيحيين .. أيام البركه في مصر

جانب من الإفطار الجماعى الذى نظمته الكنيسة الإنجيلية مؤخراً بحضور عدد من الشخصيات العامة
جانب من الإفطار الجماعى الذى نظمته الكنيسة الإنجيلية مؤخراً بحضور عدد من الشخصيات العامة

كتب: حسن حافظ

صيام صيام.. فى كل بيت مصرى حديث عن الصيام وأيام الخير والبركة، ما بين صيام شهر رمضان المعظم، والصيام الكبير، تعم الاحتفالات بالصوم جميع أنحاء البلاد، فالمسلم مع المسيحى فى حالة صيام، والتهانى متبادلة فى الحارات والشوارع، من الإسكندرية إلى أسوان، وأبناء الوطن الواحد يؤدون فريضة الصوم فى خشوع يليق بالأولياء والقديسين.. تمارس هنا الوطنية بلا تكلف ولا ادعاء.

بيوت مصرية تنتظر عيد القيامة المجيد وأخرى تترقب عيد الفطر المبارك

حالة تعيش على الأرض وتكرس نفسها فى ممارسات بسيطة تظهر فى تبادل التهانى ومشاركة المظاهر الاحتفالية بين الجميع، فمن مشاركة رجال دين مسيحى فى توزيع شنط رمضان، إلى تبادل المسلمين التهانى مع الإخوة المسيحيين، تُرسم لوحة بديعة التفاصيل من ألوان الحياة اليومية فى مصر، حيث تمارس العبادات بمزيج الحب الدافئ.

بهجة التفاصيل تجدها فى ديوان المصريين المعاصرين؛ فيسبوك، فالكثير من التهانى المخلصة بين المصريين حول تزامن صوم رمضان والصيام الكبير، تبعث على حالة من الشجن تكشف عن أخوة الوطن، حتى أن البعض يكتب تحت عنوان (أنا المسيحى اللى منتظر شهر رمضان)، ليكشف عن انصهار عنصرى الأمة فى بوتقة من العادات والتقاليد العابرة للأديان، فالتفاصيل فى البيوت واحدة لا فرق بين من يرفع صورة العذراء مريم والسيد المسيح ومن يعلق سورة العلق أو الناس، هنا الشكل يتوارى خلف المضمون، فالنسيج واحد والعادات واحدة. فلسفة الصوم واحدة فى الإسلام والمسيحية، وهى تربية الإنسان على الخشوع والتوبة وتغليب الروح على مطالب الجسد، أن يكون الإنسان ربانيا، فنحن جميعا تلاميذ مدرسة الرب.

بيوت مصرية تنخرط فى صيام طويل، وتستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد فى 24 أبريل الجاري، بينما تستعد بيوت مصرية أخرى لاستقبال عيد الفطر المبارك فى 2 مايو، وبينهما تحتفل جميع البيوت بعيد شم النسيم فى 25 أبريل، بالتوازى مع عيد تحرير سيناء، فيالها من أيام مباركة تختلط فيها الأعياد الدينية مع الأعياد الوطنية والقومية، فى مشهد يصنع بهجة خالصة يعيشها أبناء الوطن الواحد.

سيكون الكحك والبسكويت حاضرا فى كل بيت، كأحد مظاهر الاحتفال المتوارثة من أيام المصرى القديم، هنا تكتمل الدائرة، فكل طبقات مصر التاريخية حاضرة فى أيام قليلة، فى تفاصيل تحمل جينات لا يمكن إنكارها عن وحدة تمارس ولا تقال، عن حياة واحدة تعاش بلا اختلافات جوهرية.

البهجة مضاعفة هذا العام، فرمضان يتزامن مع الصيام الكبير، والأعياد تحل فى وقت متقارب بداية من عيد القيامة ثم عيد الفطر المبارك، تبادل الطعام مظهر أساسى من مظاهر تبادل الرحمة والمحبة بين المسلمين والمسيحيين، فلا تندهش عندما تجد مسيحيا ينظم مائدة رحمن، حتى الفانوس وزينة رمضان تتسابق الأسر المصرية على تزيين البيوت والشوارع بها، فى مشهد يجمع المسلم والمسيحى، ولا يعلم الكثيرون أن أصل استخدام الفانوس فى الاحتفالات الدينية، كان فى احتفالات عيد الميلاد المجيد، كما أثبت المؤرخ المصرى المقريزى فى كتابه (المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار)، إذ يقول: «وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر موسما جليلا، يباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشترى من ذلك لأولاده وأهله. وكــانـــــوا يســـــمونها الفوانيس، واحدها فانوس. ويعلقون منها فى الأسواق بالحوانيت شيئا يخرج عن الحد فى الكثرة والملاحة»، فعادة الفانوس انتقلت من الاحتفالات المسيحية إلى الاحتفال بشهر رمضان، بل إن فانوس رمضان يجمع بين عنصرى الأمة، فاسم فانوس مستخدم بكثرة عند المسيحيين، واسم رمضان مستخدم بكثرة عند المسلمين، وكأن المصطلح يحمل روح عنصرى الأمة.

 

إقرأ أيضاً | شاعر «الاعترافات» محمد الشحات: أنا «كائن» رمضانى.. وفانوسى «كوز» من الصفيح!

الصوم الكبير يبدأ عادة فى يوم إثنين من شهر فبراير لدى المسيحيين الشرقيين، ويستمر لستة أسابيع تقريبا تنتهى بأسبوع الآلام، أى على مدار 55 يوما، ويعرف بالصوم الكبير لأنه يتضمن أسبوع الاستعداد، والأربعين يوما المقدسة التى صامها السيد المسيح، ثم صيام أسبوع الآلام، ويتم الامتناع عن تناول اللحوم والأسماك وأى شيء به الروح، لذا يتم الطبخ بالزيت وليس بالسمن، لذا تجد العديد من المحال المختصة بالأكل تكتب على بعض منتجاتها «طعام صيامى» احتراما لتفاصيل الصوم الكبير الذى يحظى بأهمية خاصة عند المسيحيين كونه يسبق قيامة المسيح وفقا للمعتقد المسيحى، وهو من الصوم السيدى أى أنه طقس قام به السيد المسيح بنفسه فى حياته، ومن هنا يكتسب أهمية مضاعفة، لينتهى هذا الصوم الكبير بأسبوع الآلام، وهو أقدس أسبوع فى السنة، ويعقبه الاحتفال بعيد القيامة وهو أكبر الأعياد السيدية، وسيتزامن أسبوع الآلام مع شهر رمضان المعظم هذا العام.

 

ويحتفل المسلمون بشهر رمضان، ويعد المناسبة الدينية الأبرز والأكبر طوال العام، ويحل كل عام وفقا للتقويم الهجرى القمرى، وهو ما يسمح بتحركه فى طول السنة الميلادية الشمسية، وبالتالى يسمح بحدوث مثل هكذا حالات يقترن فيه حلول شهر رمضان مع احتفالات المسيحيين بالصوم الكبير، فالمسلمون يمتنعون عن الطعام والشراب منذ الفجر حتى أذان المغرب، ولأنهم يفطرون فى أوقات مخصوصة، تجد أن إخوتهم المسيحيين يشاركونهم نفس موعد الإفطار، فتجد الأسرة المصرية كلها تجلس انتظارا لموعد أذان المغرب، فالجميع يهرول فى شوارع المحروسة للوصول إلى المنزل قبل أذان المغرب، والمسيحى والمسلم يتشاركان الوقوف أمام محال العصير لشراء التمر والعرقسوس، وحينما يُرفع الأذان تجد المسلمين والمسيحيين خلف الأبواب كلٌ أمام مائدة الطعام، فيعم الصمت شوارع مصر، فأبناء الوطن يمارسون عبادة المحبة تحت مظلة عادات وتقاليد نسجت خيوطها على تفاصيل حيوات المصريين جميعا.

 

من المشاهد المنتظرة فى نهار رمضان، الاحتفال المسيحى بأحد الشعانين إيذانا ببدء أسبوع الآلام، فسترى بجوار الفوانيس سعف النخيل يباع، لأن أحد الشعانين يعرف أيضا بأحد السعف، وهو يمثل ذكرى دخول السيد المسيح لمدينة أورشاليم (القدس)، واستقبال أهالى المدينة له بسعف النخيل وأغصان الزيتون، وهو يوم فرح وبهجة بالسيد المسيح لتحقق نبوءة النبى زكريا فى أنه المسيح المخلص، لذا تحرص معظم الأسر المسيحية على شراء سعف النخيل الذى تراه يباع على معظم الكنائس، لكن المدهش أن السعف هذا العام سيباع وسط زينة رمضان.