الحاكم بأمر الله

خالد حمزة
خالد حمزة

خرج‭ ‬الحاكم‭ ‬بأمر‭ ‬الله‭ ‬الفاطمى‭ ‬الغريب‭ ‬الأطوار،‭ ‬والذى‭ ‬حرم‭ ‬أكل‭ ‬الملوخية‭ ‬وادعى‭ ‬النبوة،‭ ‬فى‭ ‬ليلة‭ ‬الثلاثاء‭ ‬سنة‭ ‬411هـ،‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬القصر‭ ‬الشرقى‭ ‬الكبير،‭ ‬الليلة‭ ‬كانت‭ ‬مظلمة،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬ليلة‭ ‬سابقة‭. ‬

ركب‭ ‬حماره‭ ‬متوجهاً‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬القاهرة،‭ ‬المدينة‭ ‬كانت‭ ‬هادئة‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬العادة،‭ ‬والغموض‭ ‬كان‭ ‬سيد‭ ‬الموقف،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬الحاكم‭ ‬أحست‭ ‬بما‭ ‬سيقع‭ ‬له،‭ ‬وقيل‭ ‬إنها‭ ‬تعلقت‭ ‬به‭ ‬قبل‭ ‬خروجه،‭ ‬ورجته‭ ‬بحرارة‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬بجوارها،‭ ‬لكنه‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬الخروج‭.‬

وأمام‭ ‬الباب‭ ‬الشرقى‭.. ‬وقفت‭ ‬نفس‭ ‬الجماعة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تنتظره‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ليلة،‭ ‬لترافقه‭ ‬فى‭ ‬سيره،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬الجبل‭ ‬تعود‭ ‬أدراجها،‭ ‬ليستمر‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬السير‭ ‬بمفرده،‭ ‬كما‭ ‬عودهم‭ ‬لسنوات‭ ‬خلت،‭ ‬توغل‭ ‬الحاكم‭ ‬فى‭ ‬الدروب،‭ ‬التى‭ ‬حفظ‭ ‬تفاصيلها‭ ‬جيدا،‭ ‬والسهر‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬الصباح،‭ ‬وأحيانا‭ ‬لأيام‭.‬

‭ ‬وكعادته‭ ‬أثناء‭ ‬سيره‭.. ‬ربما‭ ‬اعترضه‭ ‬بعض‭ ‬الرعايا،‭ ‬ليقدموا‭ ‬له‭ ‬شكاواهم،‭ ‬يقف‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬على‭ ‬يمين‭ ‬الحاكم،‭ ‬ليشرح‭ ‬له‭ ‬متاعبه‭ ‬مع‭ ‬جامعى‭ ‬الضرائب،‭ ‬والأسعار‭ ‬التى‭ ‬تتصاعد،‭ ‬ويصغى‭ ‬الحاكم‭ ‬باهتمام‭ ‬شديد،‭ ‬فإذا‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬القصر،‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬تلك‭ ‬المشاكل‭ ‬بنفسه،‭ ‬طالبا‭ ‬من‭ ‬رعاياه‭ ‬انتظاره‭ ‬فى‭ ‬الليلة‭ ‬التالية‭ ‬بنفس‭ ‬المكان‭ ‬الذى‭ ‬التقى‭ ‬بهم‭ ‬فيه‭ ‬فى‭ ‬ليلته‭ ‬السابقة،‭ ‬حتى‭ ‬يخبرهم‭ ‬بما‭ ‬قرر‭.‬

وفى‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭.. ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬نظر‭ ‬طويلا‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬ثم‭ ‬صاح‭: ‬ظهرت‭ ‬يا‭ ‬مشئوم‭.. ‬وبعد‭ ‬تلك‭ ‬الصيحة،‭ ‬لم‭ ‬تقع‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬حماره‭ ‬عين‭ ‬بشر،‭ ‬ولم‭ ‬يعثر‭ ‬لهما‭ ‬على‭ ‬جثة‭.. ‬فازداد‭ ‬موقف‭ ‬التاريخ‭ ‬وكتابه‭ ‬منه‭.. ‬غموضاً‭!‬