تأملات فى ليلة الإسراء و المعراج

بقلم المستشار: أسامة محمد زكى رئيس محكمة الاستئناف
بقلم المستشار: أسامة محمد زكى رئيس محكمة الاستئناف

(عزيرٌ) شخصية يهودية عاشت فيما بين سيدنا سليمان و سيدنا زكريا، وهى شخصية مختلف بشأنها هل يعد نبياً من أنبياء بنى إسرائيل أم رجلا صالحا صديقاً كان يحفظ التوراة، و قد غالى فيه اليهود حتى أطلقوا عليه كذبا أنه ابن الله ، المهم بيَّن الله فى كتابه العزيز أن العزير مر على قرية خاوية على عروشها و تساءل كيف يعيد الله لها بهاءها و يجدد شأنها ويدخل الإيمان على أهلها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ..

بعثه كما هو، ومرت عليه السنون كأنها يوم أو أقل، أكثر من ستة وثلاثين ألف يوم يمر عليه كأنه يوم أو بعض يوم ثم يخبره الله بالحقيقة أنه مكث مائة عام والدليل أن حماره الذى صحبه وجده جثة هامدة ، لقد تحلل وأصبح عظاما نخرة، ولكن الأعجب أن طعامه و شرابه ظل كما هو ناضجا سليما والشراب لم يتبخر، فكلاهما (لم يتسنَّه) أى لا أثر للسنين عليهما.. لم يتأثر الطعام ولا الشراب كما تأثر الحمار الذى مات و تحلل بتأثير الزمن و مرور السنين عليهما، فأصبحت الصورة الآن كالآتى عزير وطعامه وشرابه مرت عليهم السنوات كيوم أو بعض يوم بينما حمار العزير مرت عليه السنوات كما هي


يستفاد من ذلك أن (القدرة الإلهية صالحة) وأنها تستطيع أن تقهر الزمن بما شاءت و كيفما أرادت ، فتطيله و تقصره، تُبارك فيه فيأتى آصف بن برخيا وزير سليمان بعرش بلقيس فى غمضة عين من اليمن إلى الشام، وتضغطه فتمر المائة عام كدقائق على طعام العزير وشرابه، فيستفاد من ذلك أنه لا يستغرب ولا يستكثر أن يُسرى بالنبى الأحب الأكرم فى رحلة الإسراء و يعرج به فى رحلة المعراج بكل ما فى هاتين الرحلتين من انتقالات و مشاهدات و خُطَب وصعود وهبوط ومناقشات واستفسارات ومسامرات أحاديث و أحداث و تجليات و خصوصيات و اختراق حجب الأكوان بمسافاتها الشاسعة ..

لا يستبعد على فِكر المؤمن هذا الترقى الجسدى لخير خلق الله لما بعد السبع سموات .  

وما أدراك ما تجاوز السبع سموات باتساعاتها .. إذ السماء الدنيا كما جاء فى الأحاديث كحلقة فى فلاة لما تليها من سماء وهكذا الثانية مع ما تليها حتى نصل إلى السماء السابعة وهى حلقة فى فلاة عالم العرش الأقدس ، تقع هذه الأحداث التى تحتاج عمرا يقارب عمر البشرية - تقع - فى لحظات مباركات تمر على نبينا ، يسرى به ويعرج ويعود ومهده لا يزال دافئا لم يبرد و كأن الزمن توقف له دون سواه كما حدث قريبا من ذلك مع طعام العزير مقارنة بحماره المتحلل، الملائكة نفسها تعرج إلى ربها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، بينما هذا شأن سرعة الثانية الواحدة لرسولنا صلى الله عليه وسلم فى ليلة استقبال وتشرف السماء بمقدمه .. 


العجيب أن هناك من يَتشكك ويُشكِّك، و يقيس عطاء الله لخواصه من الأنبياء والرسل والصديقين على حاله الأعرج و تثاقل روحه و جسده القعيد فيستكثر فضل الله عليهم فينكر و يجره ذلك إلى ما لا يحمد عقباه


الشأن عند سيدنا رسول الله وإخوانه من الرسل وصديقيهم مغاير لعموم البشر ..


 تأمل معى هذه اللطيفة و استأنس بها .. انظر إلى مسافة ما بين أصبعيه صلى الله عليه وسلم أنت تراها كمسافة ما بين أصبعيك والأمر يختلف تماما فى نظر سيادته فبينهما سنوات وأبعاد ،، يقول صلى الله عليه وسلم بعثت أنا و الساعة كهاتين و يفرج ما بين السبابة والوسطى وتمر السنون ولم تقم القيامة بعد رغم مرور أكثر من ١٤٠٠ عام على هذه المقولة الشريفة ..

مرت القرون و لم نصل إلى تمام المسافة فى نظره صلى الله عليه وسلم،  يقول أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين و يشير بذات أصبعيه فتأمل كم ضمت هذه المسافة اليسيرة فى نظرك آلاف بل و ملايين من كافلى الأيتام ..

البعض يؤولها كناية ومجازا هذا فى نظر من يقيس بأصبعيه هو، أما حقيقة الأمر فالله طبع حبيبه على الصدق والحق وعدم المبالغة، وأفصح وأبان ذلك فى أصدق كتبه فقال (و ما ينطق عن الهوى).


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك المخصوص بأكرم الخصوصيات المتجلى عليه بأجل التجليات الممدود من حضرة من ليس كمثله شيء  وعلى آله و صحبه وسلم.