ما بين خيرت والشريعي.. الموسيقى التصويرية البطل الأول

الموسيقى التصويرية
الموسيقى التصويرية

يعد الموسيقار الراحل عمار الشريعي واحداً من الموسيقيين القلائل الذين كانت لهم بصمة أكثر وضوحا وتأثيرا في عالم الموسيقى التصويرية، وخاصة على مستوى الأعمال الدرامية، حيث ضم مشواره الفني الطويل العديد من التجارب الموسيقية لعدد من الأعمال الكلاسيكية الشهيرة التي تولى مهمتها بحرفية شديدة وحسن تعبير، ووضع الموسيقى التصويرية لها ببراعة زادت من إرتباط وتعلق الجماهير بهذه الأعمال.

بدأ اهتمام الموسيقار الراحل بالموسيقى منذ الصغر، إلا أنه اصطدم بأولى عقباته وهي استكمال مراحل تعليمه، وظل إرتباطه وعشقه بالموسيقى يزداد يوما تلو الآخر، إلى أن أنهى دراسته الجامعية، ومن ثم قرر التفرغ للموسيقى، وبعدها بدأ ممارسة نشاطه الفني بعزيمة وإصرار في نطاق ضيق من المعارف والأصدقاء، وبدأ يكتسب شهرة واسعة بعد تقديمه عدد من ألحان الأغنيات التي لاقت صدى جيد بين الجمهور، لم يقتصر إنتاجه كموسيقى على كم الألحان والتجارب الغنائية التي قدمها على الساحة وعدد الأصوات التي خرجت للنور، ووجدت في ألحانه فرصة جيدة للتعبير عن موهبتها، بل أمتدت إبداعاته لتشمل الساحتين السينمائية والدرامية، وكانت بدايته مع فيلم «الشك يا حبيبي» عام 1979 مع النجمة الراحلة شادية، ليقدم بعدها الموسيقى لعدد من الأفلام المميزة، مثل «حب في الزنزانة» و«شاطئ الحظ» و«عضة كلب» والأعمال الثلاثة إنتاج عام 1983.

وتعد فترة الثمانينيات هي ذروة إنتاج الشريعي على الساحة السينمائية، حيث قدم الموسيقى التصويرية لأكثر من 32 فيلم، منها «لا تسألني من أنا، أرجوك أعطني هذا الدواء» عام 1984، و«كراكون في الشارع» و«عصفور الشرق» و«البريء» عام 1986، و«المتمرد» و«المرأة والقانون» و«أحلام هند وكاميليا» عام 1988.. وفي فترة التسعينيات والألفية قدم الشريعي العديد من التجارب المميزة في السينما، منها «الشيطانة التي أحبتني، زمن الجدعان، يوم الكرامة، ديل السمكة»، وكانت آخر أعماله السينمائية في فيلم «حكاية شاب عمره ألف عام»، والذي قدمه عام 2009. 

الشريعي في الدراما التليفزيونية كان أنجح كثيرا من السينما، ليس فقط بسبب مشاركته في تقديم الموسيقى التصويرية لـ80 مسلسل، لكن لأن أعماله في التليفزيون مازالت خالدة في أذهان الجمهور، وأرتبطت بأعمال كلاسيكية لازالت تعرض حتى الآن، وبدأت رحلة الشريعي مع الدراما التليفزيونية من خلال مسلسل «أخو البنات» في منتصف الثمانينات، ورغم أن بداية عمله التليفزيوني جاء متأخر كثيرا مقارنة بدخوله للسينما، إلا أنها كانت الأنجح، ونتذكر منها مسلسلات «رأفت الهجان» بأجزائه الثلاثة، «أرابيسك»، «البراري والحامول»، «حلم الجنوبي»، «أبو العلا البشري» بجزئيه، ومع بداية الألفية تنوعت تجاربه خلال عدد من الأعمال منها «حارة العوانس، أحلام عادية، عفاريت السيالة، محمود المصري، بنت من شبرا، قاسم أمين، أميرة في عابدين، رجل الأقدار، زمن عماد الدين، البر الغربي»، وكانت آخرها مع مسلسل «أهل الهوى» عام 2012، بطولة فاروق الفيشاوي وإيمان البحر درويش مع المؤلف محفوظ عبد الرحمن والمخرج عمر عبد العزيز.

عمر خيرت

لا يمكن أن يخلو هذا الملف من تواجد عمر خيرت، فهو أحد أهم صناع الموسيقى التصويرية في مصر والعالم العربي منذ بداية الثمانينات وحتى الآن، وأصبحت موسيقاه علامة مسجلة على أغلب الأعمال الناجحة دراميا في خلال تلك العقود، لدرجة أن نجاح موسيقاه دفعه إلى أصدر ألبومات جمع فيها أشهر موسيقاه التصويرية، وحققت تلك الألبومات مبيعات قوية في التسعينيات وبداية الألفية..

ولد عمر علي محمود خيرت في 11 نوفمبر عام 1948 بالقاهرة، حيث نشأ وسط عائلة مثقفة مهتمة بالفنون والثقافة والأدب، فعمه المهندس المعماري والموسيقار أبو بكر خيرت، الذي صمم المبنى المخصص لأكاديمية الفنون ومعهد الكونسرفتوار المصري، والذي أصبح أول عميد له لاحقا.. عشق عمر الموسيقى منذ صغره، وخاصة البيانو، وعزف عليه وهو في سن الـ5 سنوات، وتلقى تعليمه على يد البروفسير الإيطالي كارو عام 1959،  وعزف على أسس موسيقية في الحادية عشرة من عمره، قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للموسيقى «الكونسرفتوار»، ثم أكمل دراسته الموسيقية متخصصاً بالتأليف في كلية «ترينتي» بلندن، وأنضم في بداياته لفرقة «لي بتي شاه» كعازف «درامز»، وهذه الفرقة كان لها آثر واضح في مؤلفاته لاحقا، خاصة في أعمال مثل  «الخادمة، رابسودية عربية»، وغيرها، وكان أول أعماله في مجال الموسيقى التصويرية من خلال فيلم «ليلة القبض على فاطمة» مع فاتن حمامة عام 1983، فأصبح الجمهور يتهافتون لمشاهدة عروضه فى جميع أنحاء الدول العربية، فصنع تاريخاً يحسب له، ولقب بالموسيقار الذى أخرج البيانو من القصور إلى الجمهور، كما لقب بالموسيقار الملهم ، صاحب الأنامل الذهبية، تزوج خيرت من خمس سيدات من بينهم الفنانة جالا فهمي، وله ولدين هما عمر وشيرين، ولديه حفيد يدعى أدم.

تعد موسيقى خيرت هي مزيج بين الموسيقى الغربي والشرقي، حيث أنه تأثر في مراحل حياته بالعالمين، كانت بدايته مع الموسيقى الكلاسيكية الغربية، ثم الشرقية، قبل أن ينتقل إلى الموسيقى الغربية الحديثة، وبعدها الشرقية الحديثة، كما تأثر أيضا بالفلكلور المصري.

لحن خيرت الموسيقى التصويرية لعدد كبير من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والفوازير، وكانت موسيقاه جزء من نجاح تلك الأعمال،  ومن أبرزها، «ضمير أبلة حكمت، البخيل وأنا، صابر يا عم صابر، قضية عم أحمد،  وجه القمر، اللقاء الثاني، سكوت حنصور، عسل أسود.. وغيرها من الأعمال التي أصبح الجمهور يتذكرها بمجرد عزف الموسيقى التصويرية الخاصة بها، كما كان لخيرت تجربة مميزة في إعادة توزيع أعمال  محمد عبد الوهاب مثل أغنية «أنت عمري، إمتى الزمان يسمح», وجمعهم في ألبومين بعنوان «وهابيات 1 و2», كما غنى كثير من المطربين من ألحانه، على رأسهم محمد منير وعلي الحجار.

كما شارك بعدد كبير من المهرجانات والأعياد الوطنية لدول عدة، منها مشاركته في تقديم موسيقى باليه «العرافة والعطور الساحرة» لفرقة الباليه الكندية عام 1989، وشارك في حفل العيد الوطني لسلطنة عُمان عام 1993، وفي نفس العام شارك بإحتفالية العيد الوطني لإيطاليا، وفي عام 1998 شارك في افتتاح مهرجان قرطاج السينمائي بتونس، وفي عام 2000 شارك في من أوبريت «الشيخ زايد» بالإمارات، و«روح أكتوبر» ضمن احتفالات ذكرى نصر أكتوبر.