خاطر عبادة يكتب: منبر يساري

خاطر عبادة
خاطر عبادة

هناك خيط رفيع بين الحرية والفوضى إذا غابت المسؤولية، فمن الطبيعى ونحن أمام تعدد المنصات الإعلامية المستقلة ومواقع التواصل أن تسفر لنا عن وجود فجوات ثقافية وتوجهات شتى بالمجتمع؛ فقد تجد الخطاب العقلانى فى أحيان كثيرة، لكن حتما ستظهر لنا العيوب مثل أن تجد شخصا أميًا لكنه متدين أو شخص متعلم لكن بلا دين.. أو كثيرون ممن لديهم أمية سياسية..

ذلك هو التحدى الخطير الذى نعانيه اليوم ونحن نطالب بخطاب اعلامى ودينى وثقافى مستنير ومسؤول فيتحجج البعض بأن هناك أيضا حرية.. لكن الحرية لا تعنى الأمان من العقاب.. خصوصا حين يتعلق الأمر بالإساءة للدين.

وهناك فرق أيضا بين الجدال الثقافى والعقائدى .. فربما لن يتوقف أحد كثيرا عند توجهك الفكرى والمذهبى-فهذا شأنك الخاص- إذا لم تتجاوز المعايير وتدخل فى نطاق حرية وحقوق الآخرين.. لكن هناك مسلمات وثوابث دينية بمثابة خطوط حمراء لا يمكن لأحد تجاوزها خصوصا حين يعتلى أحدا منبرا إعلاميا يخاطب الناس ويخضع للمسؤولية أو حتى كانت منصة تواصل اجتماعى مثل اليوتيوب وغيره ..

هناك تحديا ثقافيا كبيرا سواء من جانب العلمانية الشرسة أو من الجماعات التى تتتاجر بالدين فكلاهما اتخذ من السياسة مذهبا ومنهجا لتحقيق طموحاته أو دأب على بث خطاب جدلى غير واع وإثارة الانقسام واتخذ من قنواته ومنصاته المستقلة وسيلة لإزعاج المجتمع.. تلك الأفكار المتناقضة شكلا، لكنها تتساوى فى إلحاق الأذى بالمجتمع.. لأن وجودهما معا فى مجتمع ما لا يخلق حالة من التوازن بل يهييء المجتمع للفتنة والصدام بسبب فكر جماعة ما..
والتوجهات اليسارية فى مصر شتى ولا يمكن أن توضع جميعها فى قارب واحد، إلا أن أغلبها وسطى يؤمن بالحرية المسؤولة فى إطار احترام الدين والقومية والثقافة العربية.. ويتجه لمجالات الفن والثقافة والآداب والإعلام دون طموحات سياسية جريئة، لكن هناك أقلية منها غير معتدلة قد تجاهر بعدم احترام أو رفض الدين.. وهنا مكمن الحذر لأن هذا التوجه يذهب إلى الطرف الآخر من التشدد أو التطرف الأيديولوجي سواء كان يمين أو يسار.. فكلاهما بوق من أبواق الفتنة وتعكير المزاج المصرى المعتدل 

وبعض التوجهات اليسارية قد لا تمتلك فلسفة واضحة فى الشارع أو السياسة والأدب سوى الحرية بمفهوم مصرى شرقى؛ فلا يكاد الشخص العادى يلحظ وجودها أو اختلافها لأنها لا تثير الجدل بأفكار تزعج من يختلف عنها فى الثقاقة.. مبدأها الحرية وهذا أيضا من تأثير المناخ المصرى المعتدل.. جميعنا يطمح للحرية فى حدود قناعاته والمسلمات الفكرية؛ لا يوجد تعارض بين الدين والمدنية الحديثة، كما أن عدم الالتزام التام لمعظمنا بتعاليم الدين -سواء كان مسلمون أو مسيحيون- ليس خروجا عن الثوابت والقيم
وحين يتعلق الأمر بالشارع؛ لن تلحظ فروقات جوهرية حتى مع اختلاف الوسط الثقافى والنشأة بين المصريين، لذا فإن  التوجه اليساري أضحى فى أيسر حالاته بمصر حين ينصهر مع السياق والمزاج الشعبى العام حتى وإن خرجت علينا موجات شديدة الجرأة على الدين والقيم المصرية.

وهناك فرق بين الجدال الثقافى والعقائدى.. فالجدال العقائدى مرفوض ولن يثير إلا الفتنة والغضب.. ولا يصح لأى جهة إعلامية علمانية أو مستقلة أن تستغل من الهجوم على السلفية المتشددة مبررا للإساءة للدين الحنيف بدعوى الحرية.. وتجعل ذلك حافزا للترقية!
ماذا لو كان لديهم شيء جيد يقدمونه أم أن فلسفتهم تبنى على الهجوم والتمرد والرفض فقط وهذا لا يندرج تحت مسمى التنوير .. لأن التنوير هو رفض العادات والموروثات الخاطئة فقط وليس محو التقاليد الأصيلة التى يحافظ عليها ويقويها الدين.. كما أن الحداثة إنما تنبع من كبح جماح الهوى وليس الانسياق وراء الحرية المطلقة..
الجدال العقائدي مرفوض وهو نتاج غلظة وقسوة قلب.. فإذا عارضك شخص ما فى أمور علمية واضحة، ستقول له بكل حسم (إن الأمر لا يستحق الجدال الطويل أو أن يقبل الشك) فكيف إن تعلق الأمر بمنزّل العلم وخالق الوجود فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه.. وكل شيء فى الكون وفى خلق الناس آية من آيات الله.. 

والله سبحانه يأمرنا ويحثنا على العلم لأنه فى كل شيء فى الكون دليل على قدرة الله وأية تدل على عظمته.. ويقول تعالى(.. سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.. )
(.. يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان..)

..ورغم تقدم الإنسان وعلوه فى الدنيا، لكن هناك قوة أعلى مطلقة.. حيث لا يقدر الإنسان على تحدى قدر الله وقدرة الخالق العظيم أو الفرار من الموت 

ورغم هذا التقدم العلمى والتكنولوجى المذهل.. نسى العالم أهم شيء و أهم أمانة مكلف بها الإنسان.. وهى الدين والأخلاق التى تراجعت عبر أغلب العصور والأزمنة 

والآن وقد أصبحنا فى عام 2022 الذى كانت أجيال كثيرة تراه زمنا بعيد.. يصل فيه العالم إلى آفاق بعيدة من كثرة العلوم والتقدم ودخول عصر التحول الرقمى حيث أصبح الاعتماد على الإنسان الآلى والذكاء الاصطناعي المذهل أمر مألوف.. ومع هذا الإعجاز الهائل يخرج علينا شخص يتعجب أو يشك فى معجزة من معجزات الله أو أية من السماء. يوجه طعنة غادرة للدين الحنيف ويطعن فى أيات الله بغير حق، ويجادل فى الدين بغير علم ولا هدى ولا فكر مستنير.. مع قرب حلول ذكرى الإسراء والمعراج.. هل كان الحق سبحانه وتعالى ينتظر أن يصنع الإنسان الطائرة أو الصاروخ حتى يعرج بنبيه إلى السماء.. ليريه ما لا عين رأت ويطلعه على ملكوت السماء فى رحلة مكرمة فى ضيافة رب البشر؟ هل هناك شيء خارج نطاق قدرة الله؟.. إنما أمره للشيء كن فيكون.. و أمر كل مخلوق فينا فى أقل من لمح البصر.. بل الله قادر على أن ينزل آية فى كل وقت وفى كل شيء يدل على بديع صنع الله ووحدانيته.