افتح النافذة

خاطر عبادة يكتب: شيء من الخوف.. شبح النرجسية

خاطر عبادة
خاطر عبادة

إذا كنت تعتقد أن الشيطان دائما ما يظهر برداء وعيون حمراء وقرون حادة فهذا من نسج الخيال،  لكنه قد يأتى فى صورة شخص قد تتعامل معه بشكل يومى.. إنه شبح الشخصية النرجسية التى تتعامل مع الناس بمنطق مصاص الدماء، ويضعك دائما فى حالة قلق وشك وغموض وخوف؛ وما أن يصل إلى هدفه وإلحاق الضرر بالضحية سيختفى فورا مثل الشبح ..

موضوعنا اليوم يبدو كحكاية فيلم رعب، فنحن نكاد نسمع كل يوم عن ضحية جديدة انتهت قصتها بشكل مرعب وصراخ مكتوم على يد تلك الشخصية الشيطانية؛ فلسنا بصدد الحديث عن مبررات ودوافع الضحية المسكينة هذه المرة، بل الجانى والجلاد الذى يقتل فى صمت، ونضع أيدينا على الجرح حتى يمكننا اكتساب ثقافة ردع لتلك المشكلات فى المستقبل. 

 
كما سيساعدنا معرفة صفات الشخصية النرجسية للوصول لإجابات عن كثير من الغموض والمشاكل فى واقعنا، ووضع مسمى للانتهاكات التى نعانيها.. وإذا بحثنا عن أب روحى أو أساس للجرائم الشائعة أو حتى المستترة والظلم فى مجتمعنا سنجدها تتخفى وراء تلك الشخصية النرجسية المريضة..

 
 فعادة ما كنا نعرف الظلم بأنه حالة مرضية إسمها النرجسية أى حب الذات بشكل مرضى، مما يدفع الجانى لتحقيق أطماعه ولذاته على حساب معاناة الآخرين؛ فيدوس على كرامة البعض وينتهك حقوق آخرين عبر الخداع والانتهازية، وينسى الأمانة التى كلف الله بها آدم، وهى الدين والأخلاق.

فى الأيام القليلة الماضية تأذى المجتمع كله نفسيا من جرائم هزت الرأى والشعور العام لضحايا تعرضوا لكم هائل من الظلم والكبت والانهيار النفسى والاغتيال المعنوى بشكل بشع.. أحدهما وقع رهينة بيئة عمل أو علاقات سامة و مناخ غير صحى يستنزف روحه، وأخرى طالبة صغيرة ذات الـ17 عاما، كانت ضحية ابتزاز جنسى إليكترونى وتحرش من قبل أشخاص مجرمين استولى عليهم الشيطان، لكن عدم دراية (المجتمع) بدوافع الأشرار وأساليبهم الخبيثة- جعلته يقف سلبيا فى مواجهة المشكلة حتى استيقظ بعد فوات الأوان على صوت الجريمة، ثم لاذ المجرمون بالفرار لكنهم وقعوا فى قبضة العدالة واعترفوا بجرمهم.

لم  تجد تلك الفتاة الدعم الكافى من قريتها وواجهت حملة تنمر ظالمة فوسائل التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات تعديل الصور تتمتع بقدرة عالية من  الذكاء الاصطناعى، تسمح لضعفاء النفوس بالتلاعب بصور  الضحية وفبركتها بحيث تقترب من الحقيقة ، فلم  يفطن الناس لذلك، وتركوها وحدها تحاصرها القسوة و الألسنة ووساوس الشيطان، وباتت محل  سخرية من بعض زميلاتها حتى مدرسها الخصوصى، الذى كان  من المفترض أن  يكون قدوة وداعم لها ولو حتى بمنشورات تضامن عبر مواقع التواصل.. وكان من الأولى  إظهار الرحمة والتراحم والشفقة والحب بدلا من  هاشتاج التضامن والمطالبة بحقها بعد رحيلها.
أحيانا  قد تصبح القسوة والتنمر بمثابة آلة حادة لعملية اغتيال معنوى حقيقة .. كما أن التعامل مع أشخاص  نرجسيون ومنحرفون هى تجربة مشؤومة..

وحسب علماء النفس أن الأسباب التى تدفع الأشخاص النرجسيون للعدوانية، هى حالة الدونية والحسد والغيرة التى تتملكهم تجاه الضحية وشعورهم بأنه يتميز عنهم أو قد ترجع لأسباب بيئية وتربيتهم فى مناخ من الصراع والتفكك وعدم الحب.. أو فى حالات أخرى يكون سببها السادية وحب السيطرة؛ فيسعون لتحقيق أطماعهم على حساب معاناة الضحية، وفى حالة إظهار الأخير لبعض من القوة أو المقاومة، فإن ذلك سيؤدى لمزيد من المضايقات النفسية ومزيد من العناد.

وليست كل الجرائم ملموسة، فهناك حالات اغتيال معنوى أخرى لا يحصيها إلا الله، سواء كان التنمر أو التحرش إليكترونيًا أو فى مجالات العمل والمدرسة والحياة والمجتمع بشكل عام.

كثير منا قد لا ينتبه إلى خطورة الكلمة التى تصدر بدافع الكراهية أو الأنانية أو التنمر وما قد تسببه من فتنة أو مشكلة أو أذى نفسى أو  تزيد من معاناة شخص وأسرته..

للأسف، وفى حالات أخرى تسبب امتلاك التكنولوجيا ودخولنا إلى المنصات الرقمية بغير وعى وإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعى بأن جعلت منا سلع رقمية وآلات ندوس مشاعر بعضنا ويستغلها آخرون مرضى نرجسيون كساحة للتنمر والازدراء والسخرية أو لا يبالون بخطورة ما تسببه الكلمة والإضرار بحالة السلم المجتمعى والقيم الدينية الأصيلة التى تربى عليها المصريون جميعا سواء فى الريف أو المدن.

والنرجسى المنحرف أو السيكوباتى، يعانى فى الأساس من صراعات نفسية داخلية، فيبدو عدوانيا لدى محاولته عكس تلك الصراعات على الضحية التى تدخل فى معاناة نفسية من جنون السيكوباتى، وهو قاتل خفى، يرتكب جريمة اغتيال معنوى حقيقية ليس لها دلائل ملموسة لكنها تصيب الضحية بأعراض مرضية.

والنرجسيون-من وجهة نظر علماء النفس- لديهم القدرة بأن يجعلوا الهدف الضحية محاطا بأجواء سامة من الشائعات والتربص والتسلط والخوف وعدم التقدير لإزهاق الهدف الضحية، حتى يترك لهم مجال العمل إن كانوا فى نفس المستوى الوظيفى، أو يتركوه بعد أن يستغلوه ويمصوا دمه إن كانوا أعلى منه رتبة.. وهذا النوع من المضايقات النفسية لا يقتصر على مجال العمل فقط، فقد يكون فى مجال العلاقات العامة أو العاطفية أو غيره.. لذا فمن الصعب اكتشافهم للوهلة الأولى  فهم يبدأون العلاقات دائما فى جو من الألفة والمرح و إيهام ضحيتهم بأنه شبيههم و توأم الروح.

لهم أسلوب وتكتيك يسمح لهم بالمراوغة والتنصل من المسؤولية وعادة ما يلقون باللائمة على الآخر والتلاعب وإثارة الغموض، وتعمد التقليل من مجهود وقيمة الضحية والسخرية والعديد من السلوكيات الأخرى، وبشكل تدريجى تكبر المشكلة دون أن يلاحظ الضحية، ومع الوقت، تزداد حدة التنمر حتى ينجحوا فى النهاية بسحق الضحية.. لذا فإن الشخصية القوية والأكثر قدرة على المواجهة هى الأفضل للتعامل معهم، ورغم أنها تمثل تحديا لهم، لكن قد يبدو ذلك مسليا لهم ويفضلون هذا النوع للتعامل ثم يعودون مجددا لنزعة حب السيطرة والتفوق.

 كما يتمتع الشخص الانتهازى بحب الظهور وصناعة الكذب والكيل بكيالين فيجلب حوله فريقا من المنتفعين لإرضاء غروره وتفخيم صورته ودعم موقفه، لكى يبرر لنفسه ولغيره حالة التعسف والقسوة والظلم.

كما يمتلك القدرة على تصيد الأخطاء واستخدمها كمبرر لانتقاد الآخر ، خاصة إذا كان الضحية سريع الغضب حتى يؤكد مزاعمه ولكسب مزيد من المصداقية وموالين جدد ثم يستخدم مزيد  من الحيل لعزل الضحية..

أفضل حيل لمواجهة النرجسي.. الوعى وعدم تجاهل الإساءة وعدم التسامح المطلق وعدم السلبية والمطالبة بمعاملة أفضل و إظهار  الحزم  والمصارحة بإزالة أى حالة غموض بالعلاقة.. وتكوين صداقات عمل أو علاقات مجتمعية تدعم موقفه.. وفى حالات  أخرى  قد تتطلب إبلاغ الجهات المختصة من شرطة وقضاء أو إدارة مرتبطة بالعمل أو ما شابه.