مى السيد
العدالة هى أن ترد الحقوق للمظلومين، وتقتص للمجنى عليهم من الجناة، كما أن من أهداف العدالة تخليص المجتمع من المجرمين والقتلة، ووضعهم فى عزلة بعيدا عن الحرية التى أساؤا استخدامها، كنوع من العقاب، وأيضا نوع من رد الإعتبار وإدخال البرد والسلام على قلوب المجني عليهم.
ذلك كله يكون عن طريق أحكام رادعة، تجعل كل من تسول له نفسه التفكير ألف مرة قبل ارتكاب أى جرم مشابه، أما أن تكون الأحكام مقرونة بالسياسة، وإدماجها فى نفق الحرية، فهذا يجعل منها عدالة منقوصة، لن تجدى نفعا ولن تردع ظالم أو مفسد في الأرض.
ففي ألمانيا نجد أن الأحكام المخففة على المجرمين، هى السمة السائدة فى أغلب القضايا، لذلك تجد المغتصبون والإرهابيون والقتلة، بل وآكلى لحوم البشر، يسيرون فى الشوارع بين الناس، بعد ارتكابهم لجرائمهم، وقضاء أوقات قصيرة خلف القضبان، والتى فى تلك الحالة تعتبر بالنسبة لهم بمثابة نزهة وليست سجنا.
أبو ولاء الإرهابي
عددا من القضايا المهمة كانت شاهدة على ذلك، فمنها على سبيل المثال، قضية الإرهابى أبو ولاء العراقى، والذى حكم عليه منذ أيام بالسجن لمدة 10 سنوات فقط والتى ظلت داخل المحاكم لمدة 5 سنوات منذ عام 2016 حيث قضت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة تسيله الألمانية بسجن القائد المفترض لـ»تنظيم الدولة الإسلامية» فى ألمانيا «أبو ولاء» لمدة عشر سنوات وستة أشهر.
أدين الإرهابي البالغ من العمر 37 عاما، بعد محاكمة استمرت طويلا لمدة 3 سنوات، بالإنتماء إلى منظمة إرهابية أجنبية وتمويل الإرهاب والمساعدة فى التحضير لأعمال عنيفة، وكان متهما خصوصا بتجنيد الشباب وإرسالهم للقتال فى سوريا والعراق، كما حكم على ثلاثة متهمين آخرين بالسجن لمدد تتراوح بين أربع وثمانى سنوات.
وكان «أبو ولاء» خطيبا فى مسجد بمدينة هيلدسهايم شمالى ألمانيا، حيث اجتذب إسلاميين من جميع أنحاء ألمانيا، وتم إغلاق المسجد بقرار من السلطات الألمانية.. واستقر فى قناعة القضاة أن «داعية الكراهية» وشبكته قد أدت إلى تطرف الشباب، خاصة في منطقة الرور وساكسونيا السفلى، وإرسالهم إلى مناطق معارك «تنظيم الدولة الإسلامية داعش».
ذلك الحكم المتساهل، جعل هناك العديد من التساؤلات والإستفسارات داخل قلوب أهالى الشباب، الذين غرر بهم ذلك الإرهابى، بعدما جاء الحكم لم يشفى غليلهم، بعد أن تمكن الإرهابى من استقطاب أولادهم، والزج بهم فى معارك بسوريا والعراق، وتعرضهم جميعا للقتل، فذلك الإرهابى أبو ولاء العراقى، الذى حضر إلى ألمانيا ومكث فيها منذ عام 2001، هو المسئول الأول عن إزهاق أرواح هؤلاء الشباب، الذين قدر عددهم بالعشرات، فلو تم الحكم عليه عن كل شاب مارس معه غسل العقول، وايهامهم بالجنة والحور العين، لحصل على أحكام تصل لعشرات السنين، بل وحتى الإعدام.
إغتصاب جماعى
قضية أخرى كان حكم العدالة الألمانية فيها خفيفًا، لدرجة لا يصدقها عقل رغم أن القضية هزت الرأى العام الألماني لأشهر وبالرغم من أهميتها ظلت داخل المحاكم لثلاث سنوات لكى يتم الحكم فيها، عندما قام 11 شخصًا بحفلة اغتصاب جماعي لفتاة بعد وضع المخدر لها فى مشروب.
وبحسب تفاصيل وتحقيقات الشرطة فى القضية، كانت الفتاة المجنى عليها متواجدة فى ملهى ليلى مع إحدى صديقاتها، وحصلت على مشروب من رجل لا تعرفه، وبحلول منتصف ليل 13 أكتوبر عام 2018 غادرت الفتاة الملهى مع أحد الأشخاص، بحجة السير قليلا فى الشوارع.
وكما قالت الفتاة المجنى عليها البالغة من العمر 18 عاما فى التحقيقات؛ فإنها كانت متواجدة فى الملهى للإحتفال مع صديقاتها، فى مدينة فرايبورغ الألمانية، وبعد أن عرض عليها أحد الرجال لم يكن فى هيئته ما يدل على أنه مجرم، مشروبا فتناولته، وخرجت معه للسير قليلاً.
وتابعت فى أقوالها؛ أن ذلك المشروب لم يكن بريئا، حيث وضع الرجل لها مادة غير معروفة فى المشروب جعلتها غير قادرة على المقاومة، وتعرضت للإعتداء الجنسى على يد شخص بالقرب من منطقة غابات، ثم قام آخرون بإغتصابها.
وحظيت القضية التى عمل عليها فريق التحقيق لأشهر متواصلة بقدر كبير من الإهتمام فى ألمانيا، حيث شارك فى العمل على القضية خبراء من مكتب التحقيقات الجنائية الألمانية من خلال تتبع آثار الحمض النووى للمتورطين فى الجريمة، وتوصلت الشرطة إلى أن الجانى الرئيسى هو شاب عمره 22 عاما قام بإغتصاب الفتاة ثم حضر الآخرون للمشاركة فى الجريمة.
وبسبب ذلك الشاب تعرض وزير الداخلية لإنتقادات لاذعة، لأن المتهم الرئيسى، كان قيد تحقيقات مكثفة من جانب الشرطة للإشتباه فى ضلوعه فى جريمة أخرى، وصدر بحقه مذكرة توقيف قبل وقوع جريمة الإغتصاب الجماعى للفتاة، ولكن جاء الحكم ليخيب آمال غالبية المواطنين، وبالأخص أهل الفتاة المغتصبة.
وقضت محكمة إقليمية فى ألمانيا على أغلب المتهمين في القضية أحكام شبه مخففة على الجناة، وفرضت المحكمة عقوبات بالسجن تصل إلى خمسة أعوام وستة أشهر فى هذه القضية، وذلك على خلفية الإتهامات التى تنوعت بين الإغتصاب والتقاعس عن تقديم المساعدة.
خطف
أما عن أغرب وأطول قضية ظلت 40 عاما بين أروقة المحاكم فى ألمانيا، فكانت للطفلة الصغيرة «أورسولا هيرمان»، البالغة من العمر 13 عاما، التى اختطفت عام 1981 بجوار منزلها فى إيشينج؛ فمع انتهاء أول يوم دراسى كانت الطفلة عائدة من مدرستها، واستخدمت دراجتها للتنقل عبر الغابة على طول طريق البحيرة.
وتوجهت بعد ذلك إلى منزل ابن عمها فى شوندورف حيث تناولت العشاء، وخرجت عائدة إلى منزلها، إلا أنها لم تعد أبدا، وفى صباح اليوم التالى انتشر الخبر بين وسائل الإعلام ونقلت الإذاعة الأخبار الصادمة عن الفتاة المفقودة فى المنطقة والجهود المبذولة من قبل ضباط الشرطة.
و بعدها بساعات سلّم ساعى البريد ظرفا موجه إلى والد أورسولا، يحتوى على قصاصات ورقية مفادها «لقد اختطفنا ابنتك وإن كنت تريد رؤيتها من جديد وعلى قيد الحياة فقم بدفع 450 ألف مارك ألمانى كفدية»، كما وصلت رسالة أخرى من الخاطفين إلى منزل هيرمان، تحتوى على طلبات أخرى تخص الفدية.
ولكن بعد دفع الأموال لم تعد الفتاة مرة أخرى، وبالصدفة البحتة عثر رجال الشرطة عليها فى الغابة، حيث عثروا على صندوق مدفون، وكانت أرسولا بداخله وقد فارقت الحياة بجسدها البارد والهزيل، وبعد سلسلة من الإشتباهات، توصلوا إلى أن الخاطف هو أحد الجيران، يدعى «فيرنر مازوريك» يبلغ من العمر 31 عاما.
ولكن المثير في الأمر أن المحكمة برأته بسبب عدم كفاية الأدلة، وظلت الشرطة تلقى القبض على المتهم، وتقوم المحكمة بإخلاء سبيله، رغم تأكد الجميع بأنه وراء الجريمة، حتى جاء عام 2008، و بعد ما يُقرب من 27 عاما من وفاة أورسولا، تم القبض على مازوريك بسبب أدلة جديدة، وتم نقله إلى مدينة أوغسبورغ بالقرب من إيشينج، وبدأت المحاكمة فى فبراير عام 2009 والتى رفض والدي الفتاة حضورها، بعد أن سئموا من غياب العدالة، وبعد الإقتناع التام من قبل القضاة والمحلفين تم إدانته وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة.
تلك القضية بالذات تعتبر شاهدة على العملية القضائية داخل ألمانيا، بجانب قضايا أخرى كثيرة، اكتفينا بذكر الأشهر منها، وهذا إن دل على شئ، فيدل على أن ذلك البلد يحتاج إلى جراحات عاجلة فى منظومة القضاء والعدالة، بدلا من التدخل فى قضايا ومحاكمات لدول أخرى تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحسين معيشة أبناءها وتوفير حياة كريمة لهم، وحماية أبناءها من الفوضى والإرهاب.
سفاح باريس
وفى فرنسا كانت القضية التى هزت فرنسا وظهرت على الساحة مرة أخرى منذ أيام والتى نجح بستانى مغربى اسمه عمر الرداد أدين بجريمة قتل مروعة لأرملة فرنسية غنية قبل 30 عاما، فى محاولته لإعادة فتح القضية ومحاولة تبرئة اسمه.. فى واحدة من أكثر قضايا القتل شهرة فى فرنسا، أدين الرداد، البالغ من العمر الآن 59 عاما، بطعن صاحبة العمل جيسلين مارشال، 65 عاما حتى الموت، القضية تعود وقائعها لعام 1991 وكانت قد هزت فرنسا فى ذلك الوقت بعدما عُثر على جثة الثرية فى الطابق السفلى من الفيلا الخاصة بها فى كوت دا زور، وكان الباب الوحيد للفيلا مغلقا من الخارج ومحصنا من الداخل، وبدا أن هناك رسالة مكتوبة بدم الضحية تتهم البستانى الذى يعمل لديها.. فالحمض النووي لضابط فرنسى ينهى لغز سفاح أرعب باريس وهكذا باتت عملية القتل الوحشى لغيلين مارشال والإدانة اللاحقة لبستانها واحدة من أكثر ألغاز جرائم القتل الغامضة فى فرنسا، مستحوذة بذلك على الخيال الشعبى، وعلى اهتمام كبير فى البلاد، إذ وجهت اتهامات بأن الرداد، وهو مهاجر، كان ضحية للتمييز. وصورت الكتب والأفلام إدانته على أنها خلل فى تطبيق العدالة. ففى عام 1996، بعد عامين من الحكم عليه بالسجن 18 عاما، تم العفو عن الرداد جزئيا من قبل الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك وتم إطلاق سراحه من السجن لكن إدانته لم يتم إلغاءها.. وقدم الرداد استئنافا لإعادة فتح قضيته فى يونيو، بعد ظهور دليل جديد للحمض النووى.
وتم العثور على آثار لأربعة رجال مجهولين في مكان الحادث في عام 2015. ويقول مؤيدو الرداد إن أحدهم هو القاتل الحقيقى الذي اتهمه.
وأكدت محامية الرداد، سيلفي نواكوفيتش، إن قرار محكمة الاستئناف العليا بإعادة فحص الأدلة منحه أملا جديدا وأن هذا الحكم خطوة نحو عكس الإدانة، لكن المعركة لم تنته بعد.
وقالت إنها تأمل فى أن تؤدى القضية التى أعيد فتحها إلى «تصحيح أحد أكبر الأخطاء القضائية فى القرن العشرين».. ومن ناحيتهم لا تزال عائلة مارشال تؤكد أن البستانى السابق مذنب بقتل السيدة البارزة فى المجتمع فى فيلتها على الريفييرا الفرنسية.