وإنى سميتها مريم

خاطر عبادة
خاطر عبادة

من أجمل وأحب قصص القرآن الكريم التى تعلقت بها قلوب المؤمنين.. من منا لم يعشق قصة السيدة مريم- عليها السلام.. وما تحمله من معانى عظيمة و لدى الشعور بروح العناية الإلهية والرحمات والطهر والتكريم والاصطفاء والخصوصية لعائلة كريمة من نسل النبوة ممن اجتباهم واصطفاهم المولى من عباده الأصفياء.. ذرية بعضها من بعض

حظت سيدة نساء العالمين مريم بنت عمران بالثناء الخالد فى القرآن الكريم من الله تعالى..{وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين..} وقربها واجتباها مع من اصطفاهم من عباده الأصفياء{ يامريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين }.

و إسم مريم معناه العابدة - الزاهدة - محبوبة الرب ومثله في اللغات الأخرى ميري وميريام وماريان ومارين وماري وميريانا وماريا.. فهو الإسم الأكثر شعبية عالميا بين الإناث.. وقد أوفت أمها (حنة) بالنذر بأن تهب مولودها لخدمة دين الله، لذلك لما وضعتها أنثى سمتها بهذا الإسم وكفلها سيدنا زكريا.. 

سلام عليك يا أتقى النساء و أكملهن وآية ومثلا عظيما للناس ..فقد علمنا القرآن حب الصالحين والأولياء.. إلا أن محمد له أعلى مقام 
ولدت مريم من رحم الطهر والنقاء ومن نسل النبوة الكرام فكانت من المقربين ..تشبه فى نشأتها الأصفياء  عابدة تقية اصطفاها الله على النساء و أيدها الله بالمعجزات .. إن الله يرزق من يشاء
استلهمنا منك أسمى المعانى وأجمل المثل.. أن النوع لا يصنع الفارق.. بل الأخلاق والنقاء وسمو الغايات .. وأن تكريمك فى القرآن هو تكريم لكل أم عظيمة وأنثى عفيفة.. فإذا كان من الرجال قادة مناضلون.. فالمرأة هى النواة.. هى الجندى المجهول فى كل المعارك و منبع الرحمة والخير ومصنع للرجال 
وإذا كان من الرجال أنبياء وصالحين .. فهناك نساء كملت أيضا ونموذجا صالحا للإناث وكذلك كانت بالمثل آسية امرأة فرعون نموذجا للشجاعة والحكمة .. وساهمت نساء النبى وأمهات المؤمنين فى نشر الدعوة وغيرهن من النساء الصالحات ..

النية الصادقة لأمها ونسل الأنبياء .. كل ذلك كان لإعداد هدف أسمى و أكبر.. ولخدمة معانى الدين وأية للناس.. تلك البذرة النقية والغاية التقية بأن استعاذت من الشيطان ووهبت مولودها لخدمة الدين.. كانت النواة لميلاد آية عظيمة للناس مريم وابنها (عبدالله).. عيسى بن مريم عليهما السلام

وإن كانت امرأة عمران تريد ذكرا عابدا ومخلصا لدين الله.. فلم تحرم ذريتها من ميلاد نبى وهو عيسى عليه السلام
 
(وإنى سميتها مريم).. (يا مريم) - هى قصة نستلهم منها الجمال، وحالة نورانية خالصة من الطهر والاصطفاء حين يكرس أحد حياته لله ومحاطا بلطف وعناية الله فى كل الأوقات.. ما أجمل الأسلوب القرانى حين يتوجه بالخطاب عن الأصفياء كأنه يريد أن يغرس فى قلب المؤمن حب الأنبياء وتعظيمهم وتوقيرهم فيقربهم من القلب بهذا النداء..

مثل قوله  (يا موسى- يا مريم - يا زكريا- يوسف أيها الصديق- اسمه يحيى - اسمه أحمد - محمد رسول الله).. وهذا قمة الاصطفاء والحب- ومسك ختام المرسلين ) فقد نزل القرآن كله على قلب سيد الأصفياء.. فيقدمهم كنموذج مقدس للبشرية اكتملت فيهم معالم الخير و دعوة ربانية لحبهم والاقتداء بهم وكما صبروا، فخير البشر تعرضوا لأشد الابتلاء والمحن.. فذلك الابتلاء يحمل فى طياته لطف الله ورعايته و حب، وحتى منعه قرب ومعية وعطاء.. لأن بداخلهم نورا نبويا ينبع من الداخل يضيء لهم حياتهم بل منارة ونموذج لهداية قومهم. 

ولا يجب أن يتوقف النظر إلى قصص الأولياء الأصفياء فقط من منظور مقدس أو حالة فريدة من الاصطفاء، أو النظر إليها من بعيد كرؤيتنا لمعرض تراث دون محاولة التأمل والاقتداء واقتفاء أثر النور، والوصول لأقصى ما يمكن أن نصل إليه من حالة اتصال بالله وسلام روحى ونقاء؛ فكلما كان المؤمن شديد الصلة بالله مرت المحن بمنأى عنه مر السحاب دون أن تمس قلبه، ولا يحزن إن فاته متاع قليل من الدنيا، فما عند الله كثير وخير وأبقى للمتقين.. بل دائما ما كان يحالفهم نصر من الله فى نهاية المطاف (فاستجبنا له) (إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين).. لكن إذا فقد الإنسان الصلة بالله فكيف سيدعوه و يأمن نوائب الدهر والكربات. 

قارن حالك.. فمن منا لم يتعرض لغدر الدنيا والناس كما تعرض يوسف عليه السلام من إخوته أو يتعرض لابتلاء مشابه لأحد الأنبياء.. ولكن المؤمن دائما ما يكون محاطا بعناية ولطف الله طالما أنه فى صلة مع ربه.. وهنا يستدعينا موقف مشابه من- وحى الله  تعالى ليوسف عليه السلام فى قوله (وأوحينا إليها لتنبئنهم بأمرهم هذا)، وذلك بعد كيد أخوته وإلقائه فى البئر ..  و بين قوله لمريم ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي) حين  جاءها الطلق ، و (وكلى واشربى وقرى عينا) فهنا يتجلى لطف الله بيوسف وعطفه بمريم عليهما السلام، وقربه منها فى كل أوقات الابتلاء وحتى لما واجهها قومها وهى تحمل نبى الله .. تكفل الله بالدفاع عنها وحماها من القذف فأنطق المولود؛ فلم يكن يجدى أى شيء آخر للدفاع عنها سوى معجزة إلهية.. (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) الأية ٣٠ سورة مريم..
وحينما بشرتها الملائكة بالاصطفاء وحمل نبى يكون كلمة الله وروح منه .. فتشعر بمعية الله لها فى كل موقف
{فإما ترين من البشر أحدا فقولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}.. وهنا تتجلى روح العطف  والجبر؛ فالله سبحانه وتعالى لم يتركها لشأنها لحظة وتكفل بالرد والنصر.

هكذا كانت حياة السيدة مريم عليها السلام مليئة بالمعجزات والرحمات منذ الصغر، مما شجّع نبى الله زكريا- بعدما رأى عندها من رزق وطعام فى غير أوانه حين كان يكفلها- بالتوجه إلى الله بالدعاء رغم أن امرأته كانت عجوز عاقر، فحملت النبى يحيى، وهو حمل فى غير أوانه أيضًا، وكل ما سبق كان لإعداد مهمة مقدسة تستوعبها السيدة العذراء، وهى ميلاد نبى الله عيسى عليه السلام. . إنما  أمره للشيء كن فيكون

(وإن هذه أمتكم أمة واحدة..).. الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى