احم احم !

أحب المثقفين ولست منهم!

هشام مبارك
هشام مبارك

أشعر بالحرج الشديد إذا وضعتنى الظروف بين مجموعة من المثقفين أصحاب التعبيرات الفخيمة والنظريات العميقة.أعترف بأننى لا أفهم كثيرا مما يقولون، وأظل طيلة القعدة أهز رأسى بالموافقة حتى أبدو مستوعبا لما يقال، هذا التظاهر وضعنى فى مواقف حرجة كثيرة حيث إننى أومئ برأسى بالموافقة عمال على بطال، وغالبا ماتكون هناك آراء متباينة فى موضوع النقاش،وهنا يكتشف أحدهم الحيلة ويقول لي: كيف توافق على الرأى وضده فى نفس الوقت؟! فأصمت خجلا ولا أجرؤ بالطبع على مكاشفته بأننى لم أدرك أن ما تم طرحه هى أصلا آراء متعارضة لا تتفق على شيء واحد.

لذا أحمد الله كثيرا أن رزقنى مؤخرا بصحبة اثنين من المثقفين المتواضعين الذين يتحدثون بلغة بسيطة يستطيع من هو مثلى استيعابها بسهولة. وأعنى بهما الصديقين العزيزين جدا على قلبى وعقلى اسامة عجاج وإيهاب الحضرى (مع حفظ الألقاب) مديرى تحرير جريدة الأخبار حيث تجمعنا ظروف العمل فى مركبة واحدة تقلنا كل صباح من منازلنا لمقر الجريدة وتعود بنا مساء لو اتفقت مواعيد عودتنا وهو ما يحدث نادرا.

يقود تلك المركبة الزميل والصديق العزيز فى قسم الحركة محمد صلاح. يجلس اسامة بجوار محمد صلاح ونتجاور أنا وإيهاب فى الكنبة الخلفية. اسامة موسوعة سياسية غير عادية حيث تخصص فى الشئون العربية والدولية وله فيها باع كبير.أما إيهاب فهو متخصص فى الأدب والتاريخ والآثار .

هذا يعنى وجبة دسمة من المثقفين الكبيرين والأهم أنها مفهومة لي.لا أندهش  فقط من ثقافة اسامة عجاج الموسوعية وتحليلاته المفيدة لكل ما يدور حولنا فى العالم من أحداث بل كذلك من قدرته  على  ايجاد وقت للاطلاع على جميع الصحف والدوريات التى تصدر كل صباح،كذلك لا تجذبنى فقط ثقافة ايهاب وشرحه الدقيق للآثار الفرعونية والإسلامية والتاريخ عموما،بل من  قدرة ايهاب الحضرى على السهر طوال الليل يبحث ويدرس ويكتب،ثم يستيقظ مبكرا للذهاب لممارسة العمل الصحفى اليومي،ومنه الى المنتديات الثقافية يديرها باقتدار والبرامج التليفزيونية والإذاعية ليشرح ويحلل ويعلق.يقولون الصحافة مقبرة الموهوبين،لكنها أبدا لم تكن كذلك لاسامة ولا لإيهاب .

فالاثنان لديهما من الملكات التى تعززها ثقافتهما الغزيرة. طبعا لا يخلو النقاش من اختلافات ،ذلك طبيعى بين البشر،لكن الجميل فى الاثنين هو تلك القدرة على الاختلاف بهدوء دون انفعال أو زعيق أو صوت مرتفع، افتقد شخصيا تلك الملكة وأغبطهما عليها.أما لو وجدت الاثنين فى حالة صمت أو سرحان احاول فتح أى موضوع لاستمتع بآرائهما،وبعد وجبة دسمة وغنية من النقاش أشعر أننا جميعا فى حاجة للحظة تأمل، فأنظر لمحمد صلاح فى المرآة نظرة ذات مغزى فيدير مؤشر الراديو لإذاعة الأغانى فيتهادى صوت نجاة، أو فايزة احمد، أو وردة.وبعد أن تنتهى الوصلة الغنائية أعود لممارسة هوايتى فى فتح موضوع جديد للنقاش، نختلف كثيرا  فى السياسة وكثيرا جدا  فى الرياضة فأسامة أهلاوى لا يرى فى كرة القدم فى الدنيا كلها إلا الأهلي، وإيهاب زملكاوى متزن عكس العبد لله المتعصب جدا،لكننا نتفق فى تذوق كل ما هو قديم فى كل المجالات.

تتفرق آراؤنا كثيرا فيما يخص حال الصحافة والإعلام ولكننا نجتمع على حب الأخبار، فاللهم أدم على العبد لله نعمة هذين الصديقين المثقفين الممتعين ويارب اجعل كل المثقفين المصريين فى أخلاق وتواضع وعلم وثقافة اسامة عجاج وإيهاب الحضري، حتى لا أضطر لهز رأسى بالموافقة وأنا لا أفهم شيئا مما يقال!!.