نسرين موافي تكتب: بيوت العنكبوت

نسرين موافي
نسرين موافي

سُئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله ، هل يزني المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك )، قال: يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك)، قال: يا نبي الله هل يكذب المؤمن؟ قال: (لا).

بالرغم من النهي القاطع، وعِظم الفعل الا انه  في دنيانا هذه هو أسهل الأفعال على الإنسان، بعيداً عن مسألة الإيمان التي لا يحق لأحد الحكم عليها فهي مسألة شديدة الخصوصية بين العبد و ربه، لكن الكثير منا يكذبون كما يتنفسون وأسهل ، بل يدمنون الكذب ويتخيلونه ذكاء وسعه حيلة ويطورون مفهومه ليشرعنوه ليصبح في عقيدتهم لعبة بين عقول الأذكياء. 


صحيح أنك لن تجد من لم يكذب في حياته أبداً، لكن هناك فرق بين أن تأتي هذا الذنب العظيم تحت ظروف الموقف ويؤنبك ضميرك و تكره ما فعلت و تقر بخطورته حتى بينك و بين نفسك، وأن تفعل هذا وتفتخر بفوزك في التحايل و الخسة وفي بعض الأحيان بفخر أن تاخذ حق ليس لك بمكر، فشتان بين الاثنين.

 

علي وجه الأرض لن تجد من لا يعرف كم هو الكذب خطير، مسئ ، بل إنه سُبه في جبين صاحبه تظهر قصوره وضعف شخصيته و فساد نفسه مهما كان السبب الذي كذب من أجله.


لكن الكذب الأخطر علي الإطلاق، والغير مفهوم بالنسبة لي -على الأقل - إلا كونه مرض نفسي، هو الكذب علي النفس ثم تطويره لجعل النفس تصدق الكذب و تعيشه وتتعامل ظاهرياً علي أساسه مع غيرها أو المقربين منها، فتدعي كذباً ما ليس فيها، تتظاهر بما لا يضمره القلب، تقول باللسان ما لا يوافق عقلها او قلبها - فقط - لتظهر بمظهر خادع تستجدي به إعجاب الناس و قربهم، تحصد به رصيد من الوقار و الطُهر ، تجمل المظهر و تترك المخبر بكل مشاكله دون أن تطوره و تحسن منه ، سلسال من الاكاذيب منسوج بإحكام كبيوت  العنكبوت محكمة التصميم واهية الأساس.


ما هذا المرض …؟! ما اسمه ؟! و كيف يمكن لصاحبه ان يتكيف مع نفس بهكذا سلوك ؟! 


نفس تعرف انها تكذب و تعرف ان هناك من يعلم الحقيقة و لا تبالي فهي تبني لنفسها قاعدة من المزيفين المعاونين و الكثير جدا من المخدوعين .


سلوك فتحت عليه أعيننا الكثير من منصات التواصل الاجتماعى ، لتظهر لنا جانب من الكارثة.

 

ملائكة من زيف يحلقون بأجنحة براقة في سماء المثالية الكاذبة، مظهر يوحي بالثقة الفورية المُهلكة، فالكلمة المثالية المغلفة بالروحانيات العالية  تأسر و تدعو الروح أن تتبعها فوراً بايمان و ثقة ، مظهر يجعل البعض يلوم نفسه أنه لم يصل حتي الي القليل من درجات السمو و المثالية التي وصل اليها بشر مثلهم تنازلوا و تواصلوا معهم في تواضع شديد ، بالرغم من كون الحقيقة مفزعة الا أن المظهر يخدع بسهولة.


شرعاً أنت مكلف بأن تؤدي الفروض علناً و النوافل سراً ، فيتخذك الناس قدوة في الفروض و لا يداخلك الرياء في النوافل ، لكن ما يحدث في دنيانا الان هو العكس حرفياً فخالط الرياء كل عمل ، سيطر الكذب ، زُيفت المشاعر و نُزع الاخلاص لوجه الله من النصيحة فبهت الصورة كاملة. 

 

لكن لماذا كل هذا ..؟! ما الضير في ان تكون نفسك ؟! اهي سيئة الي هذا الحد؟!


وإن كانت سيئة أليس أفضل بكثير أن يكون منظرك  كمخبرك ؟! أليس من الأفضل أن تعمل علي تنمية و تهذيب نفسك بدلا من تجميلها بقناع زائف حتي و إن كان هذا العمل شاق ؟


لم يخلق الله بين البشر ملائكة و لا شياطين خلقهم بشر ، يصيبون و يخطئون و هنا جمال البشرية تتعلم من اخطائها ، تخطئ و تصيب و تعود و تتوب.


في كل هذا الطريق نختبر الكثير من النجاحات بالرغم من العثرات فالوقوف بعد العثرة انتصار عليها و الوصول للهدف أجمل لحظات الطريق و كلما كان بعيداً كانت اللحظة أجمل و الإنتصار أعظم ، كل هذا بصدق مع النفس و تقدير لها و بعيدا عن تكون أي شيء الا أنت.


فالمشاعر المزيفة لا تورث غير الاحباط و الاوجاع ، لا تجد لها طعم كطعم الجهد  المبذول في أن تطور هذه النفس و العمل علي أن تكون أفضل بعيداً عن التصنع و الزيف، و السعادة عندما تتعامل مع الناس بطبيعتك ، تسدي لهم النصيحة لوجه الله لا تريد من ورائها جزاءً و لا شكوراً لا تضاهيها سعادة الا فرحة تحقيق وعد الله بالبشري و العوض للصادقين الصابرين.

 

اتقوا الله في انفسكم فالزيف قصير العمر و أجنحة ملائكته تسقط اسرع من لمح البصر ،اتقوا الله في غيركم فهناك من يراكم قيمة و مثل و يتبعون خطاكم فتبوءوا بذنبهم مع ذنوبكم.


و تذكروا دائما أن من يتقبل نواقصكم جدير دائماً بقربكم ، و أن من يقترب لكمالكم الزائف كسراب زائل .