علمتني الحياة

مغازي شوقي
مغازي شوقي

علّمتني الحياة .. أن الإنسان قلب واشياء أخرى .. فعليك أن تهتم به جيدا وأن ترسم منه مدينة كبيرة تشيد بيوتها  من المحبة، وتصبغها بالتفاؤل وتجعل من ألوانها مصابيح ترافقك الرحلة . أن تنظم دروبها بدقة تسر الناظرين وتخطط شوارعها بألوان  الأمل والبهجة .. أن تراقب دقات قلبك مع كل لحظات السعادة وأويقات الحزن  التي تتكرر وسوف تتكرر. علمتني أن  طبيعتها بين الأفراح والأتراح ممكورة كضفائر الطفلة الصغيرة  . فلا حزن يدوم ولا وجع يستعصى .. لا خصام يطول ولا سلام يعمر .. وأن ليس فيها ما يستوجب أن نحزن من أجله..
علمتني الحياة .. أنك كما ترى نفسك سيراك الناس  .. وانها مليئة بالتناقضات ..  وعليك أن تتعلم كيف تتجاوز ها ، ربما كانت هذه اللوحة من المتناقضات سرآ من أسرار جمال الكون .. فقط عليك أن تقابل الإحسان بالإحسان والخير بالخير وحتى الإساءة تقتلها البسمة والصفح الجميل . فما أقصر طرائقها وإن طالت وما اطول دروبها وإن قصرت . وان لا تفتش عن هذه المتناقضات ولا عن عيوب البشر فمن كان منا بلا خطيئة فليرمها بحجر .. وان كأس الحياة بيدك تملؤه كيفما شئت وتشرب منه ما تهواه وتروي شغفك منه حيثما أردت .. فاشرب نخب السعادة ولا تتجرع كأس الحزن .   
علمتني الحياة ..ان انتقي من أخالل . فالناس رسائل معلقة بأجنحة أسراب من الطيور تحوم في سمائك . اختر لنفسك منها عصافير الكناريا  ورسائلها المزركشة بألوان الحب والخير.. واقرأ رسالات علقت بها عن  الفرح والحبور والإبتهاج والبشرى . واعلم انك لا تستطيع ان تمنع أسراب الكدر  والكآبة من أن تطير حولك لكنك بمقدورك ان تمنعها من أن تعشش برأسك فتورثها غماً واكتراب .. اختر لقدميك موضعهم وارمقه  مرة واحدة . ثم انظر حولك ألف مرة  .. لا تجالس بخيلاً امضى عمره لم يتذوق معنى لفظة (حياه ) .. ولا تجادل احمقاً  فتكون أنت وهو سواء .. الناس طبائع وقوالب فانتقي لنفسك اسلوب لمعيشتك . 
علمتني الحياة .. أن لا أعاشر خائناً لكلمة أو وعد أو أمانة .. فسلعة الوفاء غالية وبئس رخص بضاعة الخائن . والصاحب ساحب .. فلا تخالط خائناً نافخاً للكير .. لا تنطفيء بمجالسة الكاذب ولا المجادل ولا بهلول من بهاليل الفكرة .. لا تكن وعائاً يملؤه من حولك .. فثمة خسارات كبيرة لبعضهم هي في الحقيقة مكسب ومغنم .. اختر كلامك بعناية .. واخرج لوحة ألوانك وزينه .. لن تندم ابدآ على كلمة طيبة ولكنك حتماً ستندم دهراً على خبث كلمات .. فالكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .. ولبئس كلام خبيث كالشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار  .. 
علمتني الحياة .. ان الدنيا كقطار يسير على قدر معلوم .  و لكل منا محطة البداية والنهاية كانت قد كتبت بأمر إلهى . وما ان تصل وجهتك وتترجل من القطار مغادرآ .. لحظتها ..  تنتهي رحلتك . فقط تحمل معك في حقيبة امتعتك ما صنعت يداك من خير ومن شر .. فاحرص أن يكون الميزان خفيفا لأن الرحلة قصيرة ولا تستحق عناء أن تملؤها  بحجارة صماء ثقيلة الوزن عديمة النفع . وعليك أن تعى أن القطار يسير على قضيبين متوازيين هما عملك وعلمك . فاعمل بعلمك واغنم وقت الرحلة في مطالعة الطريق من شباك القطار وأن تفكر و تتأمل  ثم عليك أن تراجع نفسك مع كل محطة تمر بها لم تكن فيها من المترجلين والراحلين عن القطار ..  فقط تدبر