إحم إحم !

النموذج المحلول للنظرية

هشام مبارك
هشام مبارك

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى مرة فى المدينة المنورة على قدميه الشريفتين فإذا به يقابل سيدنا أبو سفيان وكان يمتطى دابته، توقف أبو سفيان ووخز دابته بالطريقة التى دفعتها للنزول للأرض ودعا الرسول للركوب، حيث قام أبو سفيان بالتحرك قليلاً للأمام ليفسح لرسول الله مكاناً خلفه فلما ركب الرسول أعاد ابو سفيان وخز الدابة كى تتحرك فأبت أن تقوم من مكانها أو تتحرك ولو حتى شبراً واحداً فكرر المحاولة عدة مرات إلا أنها جميعاً باءت بالفشل الذريع، نظر أبو سفيان للرسول الكريم فإذا به يبتسم فسأله عن سبب تبسمه صلى الله عليه وسلم والذى كان من الواضح أن له علاقة برفض الدابة أن تتحرك فقال له الرسول: هى لن تتحرك لأنك قد وضعتنى خلفك، فانتبه الرجل لخطأه ثم ترجل من على ظهرها معتذرا لرسول الله الذى تقدم للأمام وجلس أبو سفيان خلفه لتنطلق الدابة من فورها لتكمل طريقها بالركب، سبحان من قذف فى قلب هذه الناقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذى من المفروض أن يكون دائما فى المقدمة حتى تسير الأمور فى نصابها الصحيح، بينما كثير من المسلمين إلا من رحم ربى لا يدركون حتى الآن تلك الحقيقة فجعلوا سنته صلى الله عليه وسلم دائما خلفهم وليست أمامهم ثم نندهش كلنا ونتساءل لماذا تتعثر حياتنا ولماذا لا نتقدم خطوة للأمام.

سألت نفسى مرة لماذا كشفت السيرة لنا أدق تفاصيل حياة سيدنا محمد بما فيها تلك التفاصيل التى ربما لو سألت مثلا كيف يفعلها أى وجيه من وجهاء الدنيا لقيل لك: وما شأنك أنت بهذا، بينما كشفت لنا سيرة الرسول الكريم كل ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم من لحظة استيقاظه من النوم وحتى يخلد إليه مرة أخرى لدرجة أننا عرفنا من السيرة حتى كيفية مداعبته ومزاحه مع زوجاته أمهات المؤمنين، كيف كان يأكل ويشرب وكيف يدخل الخلاء وكيف يخرج منه - كيف يرتدى ملابسه - كيف يتعامل مع الناس وكيف كان يتعامل حتى مع الجماد ومع الحيوانات، فيم كان يفكر وماذا كان همه كيف يتعامل فى مرضه وفى صحته، فى حله وفى ترحاله وفى كل لحظة من لحظات حياته.

أتذكر أيام الدراسة عندما كنا ندرس نظرية جديدة فى الحساب مثلا كنا نجد فى الكتاب نموذجا محلولا لتلك النظرية، ومع فارق التشبيه فالرسول الله صلى الله عليه وسلم هو النموذج المحلول الذى أراد الله عز وجل لنا أن نتأسى به فى كل تفاصيل حياته، حيث لن ندخل الجنة إلا من خلفه مهتدين بسيرته ومقتدين بهديه ولأن التأسى بكل تفاصيل حياته مستحيلا قال لنا صلى الله عليه وسلم أن نأتى من سنته قدر استطاعتنا، لقد أنهالت البركة على بيت السيدة حليمة السعدية التى احتضنت الرسول رضيعا يتيما فتحول كل شيء فى البيت من الفقر والعوز إلى الرخاء والنماء، حتى الضرع الذى جف فى البهائم من شدة الجوع عاد ليمتلئ من جديد ببركة الطفل وجود ذلك الرضيع، وإذا كنا نشكو الآن من الظروف الاقتصادية الصعبة فيستطيع كل منا أن يقضى على تلك الظروف بأن تجد لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانا فى حياتك، الاحتفال بمولد صلى الله عليه وسلم ليس علبة حلاوة نأكلها أو نتهادى بها بل بالسير على نهجه فى كل الأشياء وعلى رأسها أن نرحم بعضنا البعض كما كان يفعل سيدنا محمد، الاحتفال بمولد النبى لا يكون يوماً واحداً فى كل عام بل يجب أن يكون بأن نطبق سنته وننشغل بما كان يشغله، مولد النبى ليس يوماً نقول فيه لبعضنا كل سنة وأنت طيب ثم ننساه، مولده ليس ذكرى ماضية بل يجب أن تكون باقية بيننا فى كل ثانية من عمرنا ولو فعلنا ذلك سنكون دائماً وابداً بخير بإذن الله.