فرفش كدة | حكاية الولد الذى راح

ياسين
ياسين

ومن أعاجيب الولد انه كان بلا حكايات، بلا حدوتة واحدة تركها لأحد يرويها عنه، لا قيل يوما عنه أنه سمع ولا روى مرة أنه قال.. والحكاية لولد اسمه ياسين.


العجيب -جدا- فى حدوتة الولد ياسين لا كما يذكرون عنه بأنه هادئ أو ساكت أو حتى دائم الابتسام. المبهر أنه استطاع تخطى الأمر كله بلا زيف، بلا افتعال أو تشبه. وليس الغريب أيضًا أن تراه متأنيًا فى مشيته فكلنا له تفاصيل متعددة يستحضرها متى حان وقتها، لكن الملفت فى الأمر أن تراها لاتتغير فلا رأسه تغتر يوما ولا عنقه يمتد لأعلى، ولا مشى يوم فى الأرض مرحا. هو دائمًا مستقيم. والمذهل فى المسألة أنه حفظ نفسه.


شيء آخر، أن لا شخص واحد تستطيع أن تسميه صديق لياسين، فلا عرفت له رفيق دائم يمشى فى ظله، ولا واحد مصطفى ولا انسان يستطيع التجرؤ وادعاء صداقته، لكن الأكثر غرابة أن لا أحد تخلف أو تأخر عن ميعاد ياسين، تعرف يا سينو.. يبدو أنك كنت بهذا القدر حازم، لا أحد يمكنه التلكؤ عن ساعة حددتها أنت.


أما يا سينو عنا فلا تقلق، سنتعافى وتسير الحياة، وهذا هو الأمر المزعج فى المسألة، أننا وبعد هذه الحالة سنعود للتعافى تارة أخرى، يقولون فى قصتك أنك كنت ملاكا، أو نبيا، وأنا لست أرى الا طيفك، كنت طيفًا خفيفًا يا عزيز قلبى. 


تعرف يا سينو.. أنت غادرت فى أمان الله والعاقلون منا فهموا أن لا مُسلمات يا ياسين، أنت أعطيتنا الدرس كاملا بلا نقصان ومضيت، كما سيدنا الخضر، أنت كنت خضرا يا ياسين لكن.. تعرف يا سينو أنت فضحتنا كلنا، أريتنا أنفسنا كما هى، عرفتنا نقائصنا وكبائرنا، كل ذلك يا سينو وأنت مبتسم خفيض النبرة.
وحشتنى يا سينو..


استكان ياسين أخيرًا بلا استغاثة أو طلب، غاب فى اللحظة التى التفت الجميع اليه، تعرف يا ياسين.. جميعنا ينظر فى وجه الآخر يبحث عن ابتسامة او ما شابه، لكن الوشوش جامدة، جامدة جدا، حتى أعيننا يا سينو عصت عليها الدموع، كأنها تحجرت يا جدع، يبدو أن ذلك عقاب السماء، فهذا عالم لا يضج الا بسير المفتعلين والمنفعلين وأنت ليس منا.


مع السلامة يا سينو، استودعتك ربنا ورضيت بقضائه وأقسم لك أن فرحتى لك تفوق ألمى الاف المرات، لكنها الوحشة يا سينو، أنا خائف على نفسى من هذه الوحشة الفتاكة.


ولست أدعو الآن أكثر من أن يلحقنى بك على خير متى يجيء فى كتابى ويحل الأجل، ولست أتمناه سريعًا، فأنت تعلم يا حبيبى كم هى مغرية الحياة، وأنا مريض من مرضى الحياة، فللحياة مرضى، يمرضون بها ومنها، وأنا مصاب بفتنتها، الأزمة يا سينو أننى أحب الحياة، وأحب لك لقاء وجه هو أحن عليك من كل من فى الأرض وأنا معهم.


راح الوسيم زى النسيم.. نسمة.


مشى الولد وياسين ده كان اسمه.


غاب الولد ماسابلناش غير صورة من رسمه.


انا لست من كنت اظننى انه هو..


وأظن أننى لن أعود