تلك اللحظة

عبدالرحيم كمال
عبدالرحيم كمال

عبدالرحيم كمال                  

الثالث والعشرون من أغسطس سنة ٢٠٢١، فى السنة التاسعة والأربعين من عمرى، وقبل عيد ميلادى الخمسين بسبعة وستين يوما، يوم الاثنين وفى الساعة السادسة والنصف مساء على الهواء مباشرة، فى برنامج صالة التحرير من تقديم الإعلامية السيدة عزة مصطفى، يأتى صوت السيد رئيس الجمهورية عبر مداخلة تليفونية، معلقا ومشجعا وداعما ومتابعا بدقة  لحوار يدق بينى وبين السيدة الإعلامية قبل نصف ساعة، لحظات عجيبة ونادرة تمر وأنا أسمع هذا الرجل المهذب ذا النبرة الصادقة، وهو يتحدث ببساطة ووضوح وحب حقيقى، حب ينعكس جليا من صوته على قلبى، تتداعى الأفكار وتتزحم الفرحة، وأستشعر أن هناك الكثير من الأمور يتم علاجها فى تلك اللحظات، نعم علاجها، تصورات وأفكار يتم تصحيحها وعلاجها داخلى على الهواء مباشرة، رئيس الدولة يهتم بالفن والثقافة، ويرى أن الثقافة شيء مهم وخطير، والفن شيء أساسى وضرورى لبناء تلك الدولة، رئيس الدولة يدعمنى ويدعم زملائى وينشد فنا يليق بحجم تلك الدولة التى يرأسها، رئيس الدولة يشاركنى أحلامى ويطمئننى بشأنها، سنوات من العمر تمر فى شريط أمام عينى وأنا أستمع لسيادته، سنوات لم تضع هباء إذا، سنوات فى ممارسة الكتابة الأدبية والسينمائية والتليفزيونية والإذاعية والمقال، سنوات كانت تنتظر كلمات تؤكد أنها لم تكن حرثا فى البحر، تنتظر وأنت شاب فى بداية الطريق من يؤكد لك شرعيتك ككاتب، تمارس مهنة عليها القيمة كما يقولون، تنتظر فى البداية  تلك الكلمات من أهلك وأصدقائك المقربين، تنتظر دائما تلك الكلمات من أشخاص محدودين، اعترا من أبيك يجعلك تشعر بالثقة والزهو ودعاء حار من أمك بأن يقف فى طريقك أولاد الحلال، صيحة إعجاب من صديقك المقرب حينما تقرأ له قصة قصيرة، ونظرة حب من حبيبتك ورفيقة دربك حينما تسر لها بحلم من أحلامك الفنية فتقول لك عينيها: أنت لها. 


وحينما تتخذ الكتابة حرفة وحياة فى آن واحد، تنتظر تقدير النقاد والإعلام، تنتظر تقديرا يتجاوز الشللية والمحسوبية وحساباتها، تحتاج إلى تقدير بعيد عن الطبقية الفنية والأدبية التى تصنف كل شيء إلى لافتات وترندات ومصالح، يكون ذلك فى البدايات، ثم تدرك مع مرور الوقت والخبرة وانغماسك أكثر فى الكتابة بحب، أنك لا تريد كل هذا، فما أنت إلا درويش مجذوب يرقص فى محراب محبوبه ويغنى ضاحكا باكيا حتى ينتهى مما يكتب، فيفيق على تصفيق ونظرات الحب والتقدير من الجمهور البسيط الحقيقى كبير القلب وكثير العدد، فتكون فى سعادة غامرة حين الغياب مجذوبا وحين الحضور عاقلا وينسيك ذلك كل زيف براق، وتمر السنون، لتأتى تلك اللحظة، فى الساعة السادسة والنصف مساء الاثنين يوم الثالث والعشرين من شهر  أغسطس سنة ٢٠٢١، وصوت السيد عبدالفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية يخبرنى أنه داعم لأفكارى، الموضوع هنا يتجاوز العبد لله، ويمتد الى أفق أرحب، أنه تقدير لمهنة الكتابة ولزملائى جميعا، تقدير للثقافة والفن المصرى، تقدير للحكاية وحراسها، تقدير من القائد الأعلى للقوات المسلحة لجنود الحكاية وحراسها، تقدير وحب وثقة يجعل كل كاتب وكل فنان مصرى على ثقة أنه يمتهن مهنة عظيمة، ومسئولية كبرى تجاه تلك المهنة حتى نبذل قصارى جهدنا كتابا ومخرجين ومصورين وفنانين تشكيليين وسينمائيين ومسرحيين وروائيين وشعراء وموسيقيين وقصاصين لتقديم فن يليق بمصر وأحلامها، مصر التى نقشت الفن على جدران معابدها وحكت حكايتها المقدسة لكل العالم قبل آلاف السينين، الرسالة كانت لى وللجميع، لا تظنوا أن الدولة وقيادتها ينظرون إليكم كشيء ترفيهى هامشى، أو تنظر لنا على أننا مجموعة منفصلة لاهية لا يعنيها سوى الترند والمال واللهو، لا الدولة ممثلة فى أعلى قيادة لها تنظر لنا بعين التقدير والاحترام والعناية وتنتظر منا الكثير، كانت اللحظة كاشفة وشافية ومشجعة وفاتحة للأبواب، لحظة فارقة حاسمة بين عمر مضى بين الشك واليقين وانتقل من الحاجة للتقدير إلى الرضا بالمتعة والفناء فيما تحب وتعمل  ثم المسئولية الكبرى تجاه ما تملك أن تقدمه وتحشده من أجل تقديم حكايات تليق بمصر وشعبها حكايات يدعمها الحب والخيال ورئيس مصرى صادق يحلم ويحقق أحلامه من أجل دولة عظيمة يحبها وتحبه.