سد النهضة.. المشكلة (المسار والمآلات)

د. عدلي سعداوي
د. عدلي سعداوي

بقلم: د. عدلي سعداوي

العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل بجامعة الفيوم وعضو المجلس العربي للمياه
 

‏المشكلة تكمن في محاولات إثيوبيا التنصل من التوقيع على اتفاق قانوني ملزم وآلية قانونية للعودة إلىها في حالة أي اختلاف بين الأطراف بهدف أن تصبح المياه منحة وعطاء منها دون أي إلزام عليها، ثم توظيف السد وقضية المياه توظيفًا سياسيا للضغط على السودان ومصر في قضايا قومية وسياسية، والإعداد لأن تكون المياه بثمن لمصر والسودان، سواء كان الثمن في دورهما ومكانتهما أو أن يكون الثمن مقابلا ماديا يُدفع لإثيوبيا.. تلك هي المشكلة.

مصر تعتمد بنسبة تفوق 96% من مواردها المائية على نهر النيل، والسودان بنسبة 30% لأنها دولة أمطار. والنتيجة صبر طويل من مصر والسودان في مفاوضات طالت لنحو 10 سنوات قدمت مصر فيها فيها حزمًا من فرص التعاون وتبادل المنافع والاستثمار والتجارة المتبادلة والربط الكهربائي والسكك الحديدية وصندوق للاستثمار بين الدول الثلاث من أجل إعلاء قيم التعاون على الصراع، ولكن ظل التعنت الإثيوبي والرفض لأي قوانين دولية أو علاقات حسن الجوار والمشاركة في تقاسم المنافع.

أهم محطات التفاوض:

2001 إثيوبيا تعلن نيتها لإقامة مشروعات على النيل الأزرق، من بينها سد الحدود (سد النهضة) بسعة 14 مليار متر مكعب لتوليد الكهرباء وذلك في إطار مبادرة البنك الدولي (مبادرة حوض النيل) لدراستها من الدول الثلاث المشاركة في النيل الأزرق: (مصر والسودان وإثيوبيا). 

إبريل 2011 تعلن إثيوبيا في ظل ظروف صعبة تمر بها مصر إنشاء سد النهضة ثم ترفع سعة السد إلى 74 مليار متر مكعب.

سبتمبر 2011 اتفاق مصر وإثيوبيا على تشكيل لجنة دولية لدراسة آثار بناء السد وفحص الدراسات الإثيوبية ومدى التأثير المحتمل على مصر والسودان.

مايو 2013 تقدم اللجنة الدولية تقريرها وتشير إلى نقص الدراسات المتعلقة بسلامة السد والحاجة إلى مزيد من الدراسات الخاصة بالآثار البيئية والاقتصادية للسد على دولتي المصب: مصر والسودان.

أكتوبر 2014 اتفقت الدول الثلاث على اختيار مكتبين استشاريين: أحدهما هولندي والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة التي أشارت إليها اللجنة الدولية.

مارس 2015 وقع الرؤساء إعلان مبادئ سد النهضة في الخرطوم وتضمنت الوثيقة 10 مبادئ أساسية تتسق مع مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار المشتركة، وكان من بينها الانتهاء من الدرسات الخاصة بالآثار الاقتصادية والاجتماعية خلال 15 شهرًا، وبحث التعويضات عن تلك الآثار ونظام إدارة ملء وتشغيل السد بما لا يتسبب في ضرر ملموس على السودان ومصر وتوقيع اتفاق نهائي مراعيا المبادئ العشرة التي تضمنتها الوثيقة.

سبتمبر 2015 انسحب المكتبان الاستشاريان لعدم وجود ضمانات لإنهاء الدراسات بحيادية. 

ديسمبر 2015 وقع وزراء الخارجبة للدول الثلاث على وثيقة الخرطوم والتي تضمنت التأكيد على الالتزام باتفاق المبادئ، وتضمنت أيضًا تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع. 

مايو 2017 الانتهاء من التقرير المبدئي حول إطار عمل المكتبين الاستشاريين واندلاع خلاف بين الدول الثلاث على التقرير، ومصر تعلن موافقتها على التقرير، بينما ترفض إثيوبيا والسودان ذلك.

ديسمبر 2017 مصر تقترح مشاركة البنك الدولي في المفاوضات والدراسات، وإثيوبيا ترفض ذلك تماما. 

يونيو 2018 يزور آبي أحمد مصر ويتعهد في مؤتمر صحفي مع الرئيس السيسي بأن بلاده لن تلحق ضررًا بالشعب المصري بسبب سد النهضة. 

فبراير2019 لقاء لقادة الدول بالعاصمة الإثيوبية على هامش مؤتمر القمة الإفريقي ويعلنون أنهم توافقوا على عدم الإضرار بمصالح شعوبهم والاتفاق على جميع المسائل الفنية العالقة.

أغسطس 2019 مصر تسلم إثيوبيا تصوراتها بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. 

سبتمبر 2019 تعسر المفاوضات وتوقفها. 

أكتوبر 2019 الرئيس السيسي يؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها متلزمة بحماية حقوق مصر المائية واتخاذ ما يلزم في إطار قواعد القانون الدولي. 

أكتوبر 2019 آبي أحمد يعلن أمام البرلمان الإثيوبي بأن أحدًا مهما أوتي من قوة لن يستطيع منع بلاده من بناء سد النهضة، وأن إثيوبيا قادرة على حشد الملايين على الحدود في حالة حدوث  حرب.

نوفمبر 2019 تدخل الولايات المتحدة على خط الأزمة وتستضيف الأطراف الثلاثة تحت إشراف وزير الخزانة والبنك الدولي لعقد جولات من المفاوضات للتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة بحلول منتصف يناير 2020 وانعقاد أربع جولات من المفاوضات بين الدول بمشاركة خبراء البنك الدولي والأمريكان. 

13، 14، 15 يناير2020 وبرعاية من الرئيس الأمريكي ترامب تستضيف الولايات المتحدة في واشنطن وفود الدول الثلاث وتخرج المفاوضات بتوافق على 95% من القضايا، واتفق الأطراف على أن يقوم خبراء البنك الدولي والأمريكان بصياغة الاتفاق النهائي للتوقيع عليه مع إبلاغهم بآراء الدول الثلاث فيما يتعلق بالنقاط العالقة. 

28 يناير2020 استضافت واشنطن جولة مفاوضات بحضور ممثلين عن وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي للموافقة على الاتفاق النهائي توطئة لتوقيعه من قادة الدول برعاية الرئيس الأمريكي وتغيب إثيوبيا عن هذه الجلسة وتوقيع مصر عليه مع رفض السودان أملا في عودة الوفد الإثيوبي، بعدها يعلن وزير الخزانة الأمريكي تغيب إثيوبيا للحاجة إلى عرض الاتفاق على البرلمان الإثيوبي، ويؤكد في تصريح واضح ضرورة الالتزام بعدم القيام بأي تصرفات أحادية من إثيوبيا لملء السد قبل التوقيع على الاتفاق.

يونيو 2020 مصر تطلب تدخل مجلس الأمن الدولي، ومجلس الأمن يحيل الأمر بناء على طلب الاتحاد الإفريقي ويقدم الدعم لجهود الاتحاد لتسوية النزاع.

15 يوليو 2020 إثيوبيا تعلن في تصرف أحادي بدء عملية ملء السد رغم  مطالبة وزير الخزانة الأمريكي والاتحاد الإفريقي بعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية وحدوث مشاكل في السودان نتيجة هذا التصرف. 

نوفمبر 2020 إعلان فشل المفاوضات تحت رعاية جنوب إفريقيا كرئيس للاتحاد بسبب التعنت الإثيوبي ومحاولة إدخال تقاسم المياه وقضايا أخرى خارج إطار اتفاق المبادئ الموقع من الدول الثلاث والمتعلق فقط بعملية ملء وإدارة تشغيل سد النهضة. 

يونيو 2021 اجتماع كنشاسا لحل الأزمة تحت رعاية الاتحاد الإفريقي برئاسة الكونغو ووصول المفاوضات لطريق مسدود وتصريحات إثيوبية لتقاسم المياه وبيعها.

15 يونيو2021 الجامعة العربية تعلن دعم موقف مصر والسودان وتدعو مجلس الأمن الدولي للتدخل لبحث الأزمة.

3 يوليو 2021 الرئيس السيسي يعلن في افتتاح قاعدة عسكرية أن الدولة المصرية تتفهم متطلبات التنمية الإثيوبية، ولكن يجب ألا تكون تلك التنمية على حساب الآخرين.

8 يوليو الخميس القادم مجلس الأمن يعقد جلسة لبحث الأزمة.

مطالب مصر والسودان:

توقيع اتفاق قانوني ملزم لملء وإدارة وتشغيل السد بما يضمن عدم الإضرار بدولتي المصب وإدارة السدود في الدول الثلاث بشكل يضمن عدم تعطلها، إدارة تضمن للجميع تحقيق مصالحه، وعدم إحداث أضرار جسيمة لمصر والسودان نتيجة الملء والتشغيل الأحادي لسد النهضة.

ثم آلية قانونية يرجع إليها الأطراف للاحتكام حال حدوث أي تغير في الظروف المناخية وكمية الأمطار المتساقطة وحال اختلاف وجهات نظرهم في عملية إدارة وتشغيل سد النهضة، وكل هذه الطلبات ينص علىها القانون الدولي في حال قيام أي منشأة مائية على نهر مشترك، فالاتفاقية الدولية للأنهار العابرة حال استخدامها في غير الأعمال الملاحية والمودعة في الأمم المتحدة في عام 97 والتي بدأ في تطبيقها في عام 2014 تنص على ضروة عدم التسبب في أضرار للدول المشاركة في نهر، وعلى سلامة المنشآت والاتفاق من خلال الإخطار المسبق بين الدول على طبيعة وسلامة وحجم المنشأة التي ستقام على نهر مشترك، وكل هذه القواعد تجاوزتها إثيوبيا.

كما أن اتفاقية 1902 الموقعة بين بريطانيا العظمى: (المحتلة لمصر والسودان في ذلك الوقت) وإمبراطور إثيوبيا مينليك الثاني (وكانت إثيوبيا مستقلة) وفيها منحت بريطانيا لإثيوبيا منطقة بني شنقول السودانية نظير تعهد إمبراطور إثيوبيا بعدم القيام بأية أعمال على النيل الأزرق تؤثر على  سريان المياه للسودان ومصر.

الخيارات المطروحة: 

1.    تدخل مجلس الأمن بإلزام إثيوبيا بالعودة إلى التفاوض التزاما بقواعد القانون الدولي، ووضع جدول زمني للانتهاء من توقيع اتفاق يضمن حقوق مصر والسودان في إطار مشاركة ووساطة دولية قادرة على فرض اتفاق قانوني ملزم بين الأطراف الثلاثة.

2.    مصر والسودان لا يستطيعان التفريط في حقوق الحياة والبقاء والأمن الإنساني للشعبين المصري والسوداني ورهن إرادتهما وكرامتهما في يد الإثيوبيين، وبالتالي كل الخيارات مطروحة لتبادل المنافع أو تبادل الأضرار إن لم تنصع إثيوبيا لعلاقات حسن الجوار ومصالح الشعوب.