كشف حساب

«الصحافة» ليست « طرابيش » !

عاطف زيدان
عاطف زيدان

تمر وسائل الإعلام بشكل عام، والصحافة بشكل خاص، بأزمة حقيقية منذ بضع سنوات، لأسباب متعددة متنوعة. بعضها يتعلق بالمتغيرات السريعة فى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والبعض الآخر يتعلق بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والأساليب الإدارية.

لكن رغم اشتداد الأزمة فإن الحلول ممكنة وسوف تتحقق. ولا مجال أبدا لترديد مايروجه البعض من ادعاءات بشأن انتهاء عصر الصحافة الورقية، وأن هذه الصناعة فى طريقها للاندثار، لأن هذا يتنافى تماما مع الطبيعة الخاصة لصاحبة الجلالة الصحافة. فرغم أن الصحافة صناعة، فإنها تختلف فى طبيعتها عن الصناعات الأخرى، لأنها ترتبط بصناعة الوعى والوجدان، وتشكيل الرأى العام، ونقل وتحليل الأخبار، وخلق قنوات تواصل وتفاعل مستمرة بين المواطنين والمسئولين، وكشف مواطن القصور والإهمال فى المجتمع بغرض الإصلاح، والتصدى لأية هجمات إعلامية خارجية موجهة. وهذه المهام وغيرها تجعل من الصحافة صناعة غير قابلة للاندثار، وسلاحا ضروريا لحماية الوطن والمجتمع، فهى ليست صناعة " طرابيش "، يمكن أن تختفى فى يوم وليلة. لكنها صناعة ذات طبيعة خاصة، تعيش أزمة، والكل يعترف بذلك، وهناك جهود ملموسة ودؤوبة لحلها.

من هنا تزداد أهمية الكتاب المتميز للكاتب الصحفى الكبير الدكتور محمد حسن البنا رئيس تحرير صحيفة الأخبار الأسبق، "الصحافة فى خطر، خطة للإصلاح "، الذى يحمل أطروحته العلمية التى نال بها درجة الدكتوراه من أكاديمية السادات للعلوم الإدارية.

فقد رصد الكاتب من خلال رحلته الصحفية الطويلة الثرية، أوجاع الصحافة بشكل عام، والمؤسسات الصحفية القومية بشكل خاص. واستطاع بخبرة ودأب المحقق الصحفى، تشخيص الداء. وحرص الكاتب على الإنصات إلى رؤى عدد من رؤساء مجالس الإدارة خلال فترة إجراء الدراسة، ليخلص إلى تحديد أسباب الأزمة بدقة. ونجح من خلال بحثه العلمى فى تحديد العلاج الناجع، الذى يتركز فى " الحوكمة ".

وهى تعنى ببساطة مجموعة القوانين والقواعد والقرارات التى تحقق الإدارة الرشيدة، وتعظم مبادئ الشفافية والمسئولية والمحاسبة والرقابة، وتضمن تحسين وتطوير أداء المؤسسات، ومواكبة متغيرات العصر والاستغلال الأمثل للموارد والأصول. وهو ماأثبت نجاحه فى إنقاذ الشركات العملاقة، إبان الأزمات المالية العالمية المتلاحقة، بدءا من أزمة جنوب شرق آسيا أواخر القرن العشرين، مرورا بالأزمات اللاحقة وحتى أزمة كوفيد 19حاليا. ويتم تنفيذ ذلك بالفعل فى بعض المؤسسات، وفى مقدمتها " أخبار اليوم ".

لقد استفدت كثيرا واستمتعت بقراءة كتاب الصديق العزيز د. محمد حسن البنا. وأتمنى أن تتبعه مؤلفات أخرى لكاتب كبير، أشهد له بالدقة والنظام والصدق فى العمل، لإثراء المكتبة العربية بكتب راقية مفيدة، تقدم رؤى إصلاحية على أسس علمية، وتساهم فى إنقاذ شبابنا فى عالم يغص بالتفاهات من عينة التيك توك وأمثاله.