يوميات الأخبار

حكاية نادية عابد!

مفيد فوزي
مفيد فوزي

بقلم/ مفيد فوزي

وبالطبع لم استطع أن اكذب على وزير الاعلام فرويت له حكاية نادية. فظل يضحك وظل يتندر بالحدوتة!

لقارئ ربما لا يعلم أنى ظللت اكتب على مدى سنوات طويلة باسم مستعار هو نادية عابد، ولست أول من جرؤ على هذا التقليد، فـ إحسان عبدالقدوس كتب تحت اسم «زوجة احمد» وأنيس منصور كتب تحت اسماء مختلفة ولكن نادية عابد كانت أطول تاريخا واصدرت منها ثلاثة كتب تحمل اسم نادية عابد!
كنت وأنا محرر فى مجلة صباح الخير، مبهورا بكتابات احسان الموقعة باسم «زوجة أحمد» وتمنيت أن أقلده! كانت أحلامي محلقة فى فضاء الخيال لكنى لم أصادرها. بل كنت أكتب أحيانا بلسان امرأة واحتفظ بما أكتبه دون أن يراه احد! ذات مرة تخابثت وقرأت ورقة أمام صديق وكان نصها «لا أجد إجابة على قسوتك سوى دموعى فهى تجيب بالنيابة عنى حين يعجز لساني»! وقال صديقى «صاحبتك دى بليغة جدا وعاطفية!» لم يكن يعلم صديقى انى كاتب هذه الكلمات بلسان امرأة! اعجبتنى التجربة وشجعتنى على المضى فيها خطوات وفى تجاربى العاطفية كنت اكتب «أنت أحلى اضافة لحياتي» وكنت أكتب حين أغضب منها «تعال نتفاهم لنزيح رياح الغضب ونشم معا نسيم الاحساس» وذات مرة انفجرت فيها وقلت «هل عقلك معطل؟ هل رصيدك من المشاعر صفر؟» وحين تعاتبنا وعاد الصفاء كتبت لها «لولا محطة العتاب لكان الصدام» كنت اشعر أنى أغوص فى مشاعر الانثى واكاد اعرف اسباب التقلبات المفاجئة، ربما كانت اسبابا تافهة تتعلق بمكياجها أو تسريحة شعرها أو نسيانها زجاجة البارفان المحبب لها. كلها أمور تتعلق بذاتها لأنها مركز الكون دائما! ولقد ساعدنى هذا الفهم على التعامل الآمن مع المرأة عبر مشوار العمر!

حين اشتغلت بالصحافة راودني حلمي القديم، ان اكتب بلسان امرأة! ربما كنت أحلم بنموذج محترم لامرأة رصينة لها ثبات انفعالي وتستخدم عقلها قبل مشاعرها. امرأة واعية تعرف الفرق بين مشاعر الحب ومشاعر الاعجاب. لا أدرى لماذا كان هذا الحلم يراودني والصحافة هى المنبر لكن من يعطيني هذه المساحة التى من خلالها اخاطب النساء، كنت أحمل لهذا الحلم فى رأسي ربما لاني لم أعرف الأخت، فاخوتي الثلاثة صبيان وأكاد أجهل عالم المرأة، وكل ما أعرفه عن هذا المخلوق نتاج تجربة.

هناك تجارب عشتها ودفعت ثمنها ندماً. ومشاعر الندم تكوي الاحساس، هناك تجارب كنت غشيما ودفعت ثمن جهلى بعالم المرأة. هناك تجارب علمتنى أكثر مما عانيت منها! وأتذكر أنى لم أعرف النهايات الدرامية لأى علاقة. ودائما حين تذهب الحبيبة تبقى الاخت الصديقة. وتعلمت فضيلة الصمت واحترام ملف أى امرأة مادامت قد خرجت من دائرة حياتى. لذلك حلمت بتصحيح مفاهيم انثوية خاطئةعن طريق نموذج يحتذى به. وجرؤت ذات مرة وبأدب بالغ طرقت باب مكتب الاستاذ احسان عبدالقدوس فسمعته يقول: أدخل! كان السكرتيرة السيدة مديحة عزت قد غادرت مكتبها وظل الاستاذ يكتب القصة الى منتصف الليل كعادته. حين دخلت مكتب الاستاذ قررت ان أكون قليل الكلام مدركا أن الروائى يكتب من مسرح ذهنى. فقلت للاستاذ: عاوز اكتب باسم واحدة!! فرد قائلا: اكتب نموذج واشوفك مرة ثانية: لم يسخر منى وانا المحرر الصغير وأعجبه الكلام المحدود المركز. انتهت المقابلة وتركته لعالمه!

جلست أفكر كيف أواجه احسان عبدالقدوس الكاتب السياسي الروائي. قررت أن يكون عنوان العمود «شىء ما» وربما كان ينطوي على رغبة جارفة في ان يكون سلوك أى امرأة مع رجل فيها شىء ما من العقل. وقررت ان يكتب هذا العمود نادية وهو اسم مصرى مطروق. فلم يكن اسم الكاتبة جاسمين مع احترامى للعزيزة جاسمين طه زكي. اخترت شكل العمود وكان لابد من الاهتمام بالمحتوى أي الكلام الذي سأكتبه.

وببساطة شديدة كتبت:
1- اعصابى تتوتر وأفقد الهدوء ويفلت لسانى حين يمس رجل كبريائى.
2- لا أميز الصواب بسرعة فأنا انفعالية فاقدة العقل لما اغضب.
3- كم أنا سعيدة بقدرتى على كتمان غيرتى وصدرت له هدوءاً مفتعلاً. وقرأ احسان كلماتى واعاد قراءتها ثم قال: استأذن الاستاذ احمد بهاء الدين وبلغه أنى موافق على النشر.

بعد يوم واحد ذهبت للاستاذ بهاء وشرحت له تفاصيل السيناريو الذى تم بينى وبين الاستاذ احسان. وطلب الاستاذ بهاء الفنان جمال كامل ولأول مرة اعطانى الاستاذ بهاء حرية شرح الفكرة!
كان مطلوبا ان يرسم الفنان جمال كامل صورة افتراضية للكاتبة نادية! وبدأت حملة اعلانات تولاها الاستاذ حسن فؤاد. كنت قد تعلمت كتمان خطواتى فى الصحافة هربا من الافاعي! كان احمد بهاء الدين يكتب بابا خبريا هو من مفكرتى ويوقعه بـ..«مخبر صحفي» وطلب منى أن اكتب الباب الذى وقعه باسمى بعد عام كامل. وطلب منى أن يكون باب «شيء ما» صفحة فى أول العدد فى الاوراق الملونة وكتمت كل هذا عن زملائى فيما الرسام عدلى فهيم الذى ربطتنى به علاقة منذ تزاملنا فى دار روزاليوسف.

وعندما رسم جمال كامل صورة الكاتبة نادية اعجبتنى وداعتها وثبات عينيها وأحسست انه رسم نموذج المرأة الذى حلمت به.

وبدأ النشر واخفيت الخبر الا عن المقربين منى د.مصطفى محمود وعبدالستار الطويلة وصبرى موسى. كنت اكتب باب «شىء ما» بمتعة وكان لابد من «الذوبان» فى الشخصية حتى بدأ الهمس من هى نادية؟ وتطوع عوف عامل التليفون قائلا انها تسلم مقالتها للاستعلامات وتمضى الى بيتها فى المقطم!!

ذات مرة طلبنى مكتب السيد صفوت الشريف وبادرت بالاتصال به فسألني: أنت تعرف كويس زميلتك نادية التى تكتب فى صباح الخير. ومفيش فى ملفات الجرايد ولا النقابة اسمها. واحد عايز يعرف اصلها وفصلها وتاريخها المهنى، عاوز يتقدم لأسرتها. وبالطبع لم استطع أن اكذب على وزير الاعلام فرويت له حكاية نادية. فظل يضحك وظل يتندر بالحدوتة! وربما كان صفوت الشريف أول من عرف القصة...! وسألنى أنيس منصور: انت بتكتب لنادية؟ قلت لأنيس منصور: أنا نادية!! ودهش أنيس وروى لى حكاياته مع الاسماء المستعارة التى كتب بها! ولا انسى ان الاستاذ اسلام شلبى هو أول ناشر طلب منى اعداد كتاب بعنوان «للاذكياء أقول» وحين لمعت نادية أضفت إليها اسم عابد وطلب منى الناشر الكاتب الصحفى الكبير محمد عبدالنور اعداد كتاب «رومانسيات فى زمن الجفاف» بقلم نادية عابد!

واشتهر اسم نادية عابد بين القراء ولكن الوسط الصحفى كان يعرف السر. والبعض كان يعتقد أن نادية عابد تعلمت فى الجامعة الأمريكية وأنا أعيد صياغة ما تكتب!

وعندما سكنت نادية عابد بمفردها لأكتب عن علاقة امرأة تعيش وحدها بسكان العمارة وبينهم طالب يدرس فى الازهر وشيخ معمم ورغم أن السيناريو افتراضى، فقد طلبت مشيخة الازهر وقف باب نادية عابد.. واضطر رئيس التحرير فتحى غانم ايقاف الباب! بالطبع حزنت لهذه النهاية ثم عاد النشر واوقف الباب فى زمن الإخوان حين قمت بحملة «الفضيلة بين التمثيل والواقع الفضيل». حين كنت اقبض أجرى من نشر الكتب التى تحمل اسم نادية عابد، كان هناك خطاب مهم تصدره مؤسسة روزاليوسف يقول ان مؤسسة روزاليوسف تشهد ان الاستاذ مفيد فوزى سعد هو الذى يكتب تحت اسم نادية عابد وهذا إقرار منا بذلك. وختم المؤسسة!!

ما خلاصة التجربة الصحفية من خلال الخطابات والمصارحات والمناقشات الدائرة على الصفحات التى عاشت 18عاما متواصلة؟
1- فى المجتمع حالة «تنمر» من النساء للرجال وحالة تربص من الرجال!
2- الرجل يبدى إعجابه بالمرأة المثقفة الذكية ويتزوج من لا تتفوق عليه!
3- المرأة أذكى من الرجل وهى تقنعه انه الاذكى..!
4- تفضل المرأة أن يقال لها إنها فقدت وزنا عن القول انها ذكية!
5- الرجال يملكون قدرات عالية من الشكوك عندما يفتقدون ثقافتهم!
6- لا تصدق المرأة سوى مرآتها وليس الرجال!
7- صارت كتاباتى- كنادية عابد- سؤالا دائما فى أى حوار معي!
8- حاولت أن أعيش عدم الثبات الانفعالى الانثوى ونجحت مرة وفشلت مرات!
9- كان التأثير كبيرا والدليل الخطابات الصريحة من شتى الانظار العربية!
10- لن أعيد التجربة لان القارئ المتابع اختفى وظهر الفيسبوك والواتس اب والانستجرام بالصوت والصورة!