من دفتر الأحوال

في «علم النفاق»

جمال فهمى
جمال فهمى

النفاق شر مطلق كما أن ضرره أكيد وخطره عظيم.. وفى القرآن الكريم سورة بأكملها للمنافقين، وقد علمنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أن "آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كذب، وإذا وَعد أخلف، وإذا أؤتمن خان". فأما المسيح عليه السلام فقد أعرض عن المرائين وواجههم وندد بهم ونعتهم بأنهم "أولاد أفاعي"، وقد قالت فيهم العرب على امتداد التاريخ أشعارا كثيرة منها ذلك الوصف للمنافق الذى قاله الشاعر محذرا: يعطيك من طرف اللسان حلاوةً / ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ.

 

والنفاق (عفاك الله وأعفاك من شرور أصحابه) فى اللغة ـ حسب الجمهرة الغالبة من اللغويين ـ فعل مشتق من "النفق" المخفى تحت سطح الأرض، ذلك أن حال المنافق كحال الأفعى التى تلوذ وتتسرب إلى داخل الشقوق والأنفاق لتستتر وتكمن وتمعن فى الاختفاء والتمويه، إذ لا تقنع ولا تكتفى بقدرتها المعجزة على التلون وتغيير الجلد حسب متغيرات البيئة والأحوال والأوضاع والظروف، بل تبحث دائما عن ساتر تكمن وتختفى عن الأنظار خلفه.

 

وبعد.. ففعل النفاق على قبحه وبشاعته أنواع وأشكال مختلفة، كما أن المنافقين الأشرار مذاهب ومدارس شتى فى السلوك والأهداف والأغراض، ومع ذلك تجدهم جميعا يأتلفون ويتوحدون على ملامح كريهة وسمات عفنة وصفات رديئة أشهرها وأوضحها، طبقا لما اتفق عليه أهل العلم:

- احتراف، بل إدمان الكذب على الناس والمولى تعالى، ويكذبون كذلك على أنفسهم بسبب أيضا.

- الأنانية والجبن والخسة وانعدام المروءة.

- استسهال إخلاف الوعود ونقض العهود.

- المبالغة فى الادعاء والتصنع وإظهار الحرص على المصلحة العامة، مع الاستعداد الدائم لاقتراف أبشع الجرائم وأحط وأبشع صور الإفساد فى الأرض.

- كثرة القسم والحلفان بالكذب، فالمنافق كما الحرامى تماما إذا قيل له احلف أنك ما سرقت، فإن لسان حاله يقول فورا: إذن فقد جاء الفرج.

- السفه والجهالة وقلة التربية والتعليم.

- الفجور فى مخاصمة الضعيف مقابل الذل والانسحاق أمام القوي.

- خراب الذمة وضعف العقيدة والإعراض عن الإيمان أو الالتزام بأية قضية.

- الغرور والاستهزاء بالشرفاء والصالحين، فضلا عن كراهيتهم.

- الاهتمام بحسن المظهر لستر قبح المخبر وسوء الطوية.

- الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف.

- الاستعانة بحلاوة اللسان وزخرف الأقوال مع بشاعة الأفعال وانحطاط السلوك.

- الجرى وراء المغانم والنأى عن المغارم.

- التذرع بحر الصيف أو برد الشتاء للهروب من التكاليف والإفلات من التضحيات.

- الطمع والجشع وحب اكتناز المال مهما كان مصدره، والسعى خلف اللذة العابرة (لا المتعة الراقية) فى أى درب، وعبادة كل صاحب سلطة ولحس بلاطه واعتياد موالاة كل حاكم والتزلف له والركوع عند عتباته أو تحت جزمته.

 

هل تسأل حضرتك عن مناسبة هذا البحث وسبب التنقيب فى مستنقع النفاق وصفيحة زبالة المنافقين؟!.. الحقيقة لا مناسبة ولا سبب مباشر لاستدعاء هذه السيرة المقرفة الآن، ولكن يكفى ان تنظر حولك وقتما وحيثما تشاء وسوف تجد دائما الف سبب ومناسبة للحديث عن النفاق والمنافقين، لأنهم، كسائر شرور الدنيا، موجودون فى كل زمان وأى مكان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.