عام جديد وغريب وفريد

عام جديد و غريب و فريد
عام جديد و غريب و فريد

تتعرض مواقع التواصل الاجتماعي حاليا لهجمة شرسة ما بين تريندات التقييم لعام مضى، وتريندات التوقع لعام يأتي، في مرحلة يسلم فيها عام 2020 السلطة لعام 2021.

أدبيات هذه المراسم تفرض علينا أن نصفق للقادم و نلعن الراحل، دون أن يدري أحد هل سيكون العام الجديد كريما في عطاياه و هداياه، أم أن أيامه و أشهره القادمة قد تجعلنا نبكي دما على 2020!

ولكي ترسم ملامح 2021 جيدا و تقرأ طالعه بشكل صحيح، فأنت بحاجة ماسة إلى مراجعة دقيقة و متأنية لكل ما حدث في 2020، و التي تتميز بعدد من الأمور التي لاشك أنها ستضع بصماتها على أشهر و ليالي العام الجديد، بل قد تستمر هذه البصمات لعشرات السنين.

وشهد عام 2020 رحيل مجموعة غير قليلة من العلامات البارزة في حياة أجيال السبعينات و الثمانينات، و على رأسهم الرئيس الأسبق حسني مبارك و الفنان محمود ياسين و الفنانة رجاء الجداوي و رجل الأعمال محمد فريد خميس و الاسطورة مارادونا و الكاتب التاريخي لأبناء هذا الجيل د. نبيل فاروق، حتى بدا وكأن 2020 هو القنطرة التي ستحمل أبناء هذا الجيل في مسرح الحياة من مقاعد المتفرجين إلى وسط الملعب السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي المصري.

بدا 2020 و كأنه يفصل بشكل عام ما بين مصر كانت و مصر جديدة قادمة على المستوى الاجتماعي، لتفرض سنة الحياة التي يؤمن بها المصريين في المساجد و الكنائس، و يكفرون بها خارجهما، احلالا طبيعيا للنخب في بلد النهر الخالد، و لا أدل على رفضنالهذه السنة، من وفاة ثلاثة نواب في برلمان 2020 المنتخب منذ أيام، قبل حتى أن يبدأ البرلمان المصري في عقد جلساته في يناير المقبل!

كما شهد عام 2020 أيضا معركة طبية قاسية ذات طبيعة سياسية و اقتصادية ثم علمية في المرتبة الأخيرة، معركة خاضها بنو آدم و حواء في مشارق الأرض و مغاربها ضد فيروس قاتل لا يرى بالعين المجردة، تسبب حتى الآن في وفاة ما يقرب من مليون و نصف انسان في ثلاثة عشر شهر، و هو رقم يقترب –إن لم يزيد- من عدد ضحايا الحروب العالمية خلال نفس الفترة الزمنية تقريبا.

من هذه المعركة التيكان من المفترض ان تكون علمية بحتة، خرج أهم حدث سياسي في 2020، و هو مرور التنين الصيني من هذه الأزمة بنسبة نجاح تكاد تكون أكثر من 100%، ففي الوقت الذي تختبئ فيه شعوب العالم الآن في بيوتها خوفا من الفيروس، يخرج الصينيون في كل الحدائق و المتنزهات احتفالا بالعام الصيني الجديد، بلا قلق و بلا خوف و بلا كمامات أيضا!

سيدون التاريخ أن نجاح الصين في هذه المعركة جاء ترجمة للتفوق الصيني الشامل على الغرب بكل ما فيه من حضارة و علوم و حريات، الأكثر اثارة أن هذا التفوق جاء في المجالات التي يجيدها الغرب، و احتكرها لثلاثة قرون و نصف كانت هي الفاصل بين الثورة الصناعية الأولى و أيامنا هذه، لم يكن التفوق الصيني واردا دون اندماج شامل و اصطفاف أسطوري للشعب الصيني خلف مؤسسات دولة قوية حافظت على وجود الانسان الصيني قبل أن تحافظ على حقوقه، لتثبت الصين للعالم أن بقاء الانسان اليوم أصبح أهم من حقوقه.

ثاني أدوات التفوق الصيني كانت الاعتماد الشامل على التكنولوجيا الحديثة في كل شئ، تفوقت الصين على غيرها في هذا الشأن وصل لدرجة أصابت عواصم العالم الأول بالرعب،بداية من تطبيق تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات بشكل منفرد، مرورا بتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي مكنت الحكومة الصينية من السيطرة على سلوك و أخلاقيات مئات الملايين من البشر، حيث أصبح برنامجا على هاتفك المحمول يقوم بكل أدوار الحكومة دون أن يتحرك أحد خارج مكتبه، ونهاية بمعدلات إنجاز اعجازية سواء في الابحاث العلمية أو تجارب الفاكسين أو توفير كافة مستلزمات العلاج.

ثالث أدوات التفوق الصيني كانت عدم تأثر الاقتصاد الصيني بهذه الجائحة التي كادت تطيح بالصين للمجهول، بل إن البعض بدأ يصدر تقارير اعلامية عن استحواذ الصين فيما يشبه التأميم الاقتصادي على أسهم الاجانب في الشركات الصينية، و كل هذه الأمور تؤكد أن التعامل مع الصين كدولة عظمى و قادرة لم يعد توقعا استراتيجيا، بل حقيقة مؤكدة أرى أن كوكب الأرض قد بدأ في استيعابها و العمل على أساسها بالفعل.

ثاني الأحداث السياسية التي شهدها عام 2020 كان خسارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب للانتخابات الأمريكية الأخيرة، و هو حدث فاجأ اقليم الشرق الأوسط بالكامل، و الواقعية السياسية و الأمانة العلمية يفرضا علينا أن نعترف بأن الاقليم يتجه للأسوأ في ظل ولاية ثالثة لعراب الخراب العربي باراك أوباما، ممثلة في نائبه جو بايدن، و الذي تقول اختياراته لرجال إدارته أنه سيكمل هذه السياسات مهما تحدث بعكس ذلك.

على الصعيد الاقتصادي، يواجه العالم في 2021 آثار ما سبق عرضه حول الاثار الاقتصادية لهذا الفيروس الشرس، و هي تنقسم إلى قسمين، أولهما آثار تعطل و تراجع و انكماش الاقتصاديات المحلية، و تأثر حركة النجارة الدولية بشكل أضر حتى بمشروع العولمة ذاته، تلىذلك استدانة أو لجوء للاحتياطيات المالية للدول لمواجهة الآثار الصحية و الشعبية لهذا الفيروس، و ثانيهما دفع فاتورة الفاكسين اللازم لعودة الحياة الى طبيعتها، واستعادة دوران عجلة الانتاج المتوقف بفعل فاعل.

بناءا على ما سبق عرضه من حقائق، يبدو عام 2021 محاطا بالغموض الشديد، و الأسئلة الصعبة، فلا أحد يعلم هل تتم عملية انتقال السلطة في الولايات المتحدةبشكل سلس أم يفاجئنا ترامب بحرب تعرقل كل شئ؟، لا يعرف أحد هل ستضمن محادثات الغرف المغلقة حلحلة للصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، و هل ستقبل دول المنطقة أن تعود خطوة للخلف؟،  أم ستضيف مزيد من التعقيد يدفع بالجميع نحو حرب مفتوحة، قد نعلم بدايتها و لا نعلم نهايتها أو مآلاتها.

لا نعلم هل سيكون عام 2021 عام حصاد يغاث فيه الناس بعد "عشر" عجاف؟، أم يشهد اجراءات اقتصادية جديدة لسداد فاتورة كوفيد 19؟، هل يختفي كوفيد 19 من حياتنا؟، أم يفتح الباب لـ "كوافيد" جديدة لحلب الشعوب و ثرواتها تحت تهديد الفيروسات؟!

كمصريين يكفينا جدا أن نكون اصحاب الاقتصاد الوحيد في الاقليم الذي حقق نموا، هذا وحدة خاتم جودة لرؤية مصر 2030 و توجهات الدولة المستقبلية، بغض النظر عن كونه قليلا أو غير مناسبا، أن نكسب قرشا خير من أن نفقد الجنيه، لكن في الوقت ذاته يبقى الدرس الصيني في مواجهة كورونا من وجهة نظري المتواضعة هو الأمر الوحيد الذي يجب علينا جميعا دراسته و تكراره في بلدنا العزيزة، هذا إن أردنا لمصر أن تعود "أم الدنيا"، و "قد الدنيا" كما أخبرنا الرئيس السيسي عام 2013.

ونحن قادرون على تكرار التجربة الصينية في مصر، بل و قادرون أيضا على التفوق في النتائج و معدلات التنفيذ و التأثيرين الاقليمي و الدولي، فقط اعتصموا بحبل دولتكم و ادعموا مؤسساتها و رجالها، و سترون العجب بأعينكم!