إدارة الخطر وعلم نفس الأزمات

طارق عبيد
طارق عبيد

كان يستيقظ من نومه مفزوعاً تحاوطه الهلاوس والأشباح بعد أن سلم مفتاح مخاوفه لأمرأة لعوب تلاعبت بأحلامه ومخاوفه، تطارده ضحكات الساحرات في الغابة المظلمة، أنه البطل ماكبث، بطل رائعة شكسبير ماكبث الذي عاش أسير الخوف والطموح حتى خسر كل شيء.

لكن هل من الممكن أن يغير الخوف مصير البشر، وكيف نتحكم في مخاوفنا.

الخوف احساس مركب شديد التعقيد، علم النفس يعرف الخوف على أنه المسافة الموجودة ما بين "خطر ما" وطريقة تخيل عقلنا لهذا الخطر، هذا يعني اننا لو استطعنا التحكم والتأثير في الدائرة التي تربط بين الخطر وطريقة تصورنا له سوف نكون قادرين على التحكم في احساس الخوف نفسه وربما توجيهه بالشكل الذي يحقق لنا التحكم والسيطرة، فيما يسمى بإدارة الخوف.

المسؤول عن تنظيم استجابتنا للخطر جزء في مخ الانسان يسمى "الأمجدالا" يقوم بإرسال إشارات لجهازك العصبي كي يستعد بمجموعة من الاجراءات لمواجهة الخطر. لكن يبقى السؤال لماذا تختلف ردود افعالنا تجاه الخطر؟ مثلا لو كان هناك حريق في مبنى ما فان الشخص العادي غالباً سيحاول البحث عن اسرع طريقة للنجاة في حين ان رجل المطافي سيحاول السيطرة على النيران، أما لو كان الشخص مختل فسوف ينعدم لديه الشعور بالخطر من الأساس. استجابة رجل المطافي هي نوع من التدريب المستمر على السيطرة على المسافة الموجودة بين الخطر و طريقة تصوره، وهي نفس الطريقة التي يتم تدريب الجنود عليها لمجابهة المخاطر في الحروب فيما يسمى بعسكرة المشاعر ضمن سلسة من اجراءات إدارة الخطر.

في الحروب النفسية يتم تصميم نموذج لكل دولة مهمته التحكم في "امجدالا" الشعوب وبالتالي التحكم في استجابة الشعوب للخطر بما يتفق مع أهداف الحرب عن طريق اجرءات اهمها:

-         تضخيم المخاطر بالشكل الذي يخلق حالة من الهلع العام Mass Panic والذي بدوره سوف يشكل ضغط رهيب على اجهزة الدولة المستهدفة ومواردها ويكسر حاجز الثقة بينها وبين الشعب مثلا (مصر على وشك الافلاس،الجيش منقسم، يوجد نقص في الأدوية، فقدنا السيطرة على منابع النيل ...)

-         التهوين من المخاطر الكبرى بشكل يقتل الدافع عن مواجهتها  ويخلق حالة من التراخي العام تؤدي في النهاية لهزيمة محققة في كافة الملفات (مفيش ارهاب، داعش صناعة الدولة ، الاخوان بتوع ربنا،مفيش وباء اساسا، يا عم سيبها على الله).

عادة يقاس تقدم الدول وجاهزيتها بكفاءة  مراكز ادارة الازمات لديها والتي تمكنها من مواجهة المخاطر الكبرى مثل الكوارث الطبيعية والحروب و الأوبئة  بشكل اكثر كفاءة وجاهزية مستمرة Sustainability من خلال اجراءات مثل:

-         توفير تدريب مستمر على مواجهة المخاطر بما يكسر حاجز الخوف و يرفع من الجاهزية لمواجهتها ( التعامل مع الحريق، طرق الاخلاء السليمة، طرق التعامل مع المتفجرات، الاسعافات الاولية، استخدام المخابىء وقت الحروب...)

-         وجود جهاز اعلامي قوي و مرن  وسريع الاستجابة يوفر المعلومة بشكل لحظي، إتاحة المعلومة تقضي على اي فرصة يمكن ان يستغلها اي طرف في استثمار الازمات بشكل يلحق الضرر بالدولة.

الشاهد ان الخوف والخطر من ادوات الحروب الحديثة والتدريب الجاد على المواجهة و ادارة الخطر تغير معادلة الخوف لدى جموع الناس و تخفف من حدة الهلع/ اللامبالاة التي قد تصيبهم نتيجة تضخيم الخطر او عدم الشعور به من الاساس حتى لا نصل إلى حالة الأنتحار القومي و الإنفجار من الداخل. لابد ان نتعلم درسا جديدا في ادارة الخطر مع كل تجربة نمر بها ونخلق تراكم معرفي يجنبنا السقوط في فخ الأزمات.