مدارات

مغالبة السبات!

رجائى عطية
رجائى عطية

رجائى عطية

من أحد عشر عامًا، صحونا من نوم طويل، أطللت عليه فى صحف يوم الجمعة الموافق 22/5/2009 قرأت فيها خبرًا عن مطالبة مصرية تأخرت أكثر من نصف قرن، فقالت الصحف إن مصـر طلبـت رسميـا من بريطانيا «المساهمة» بشكل فعال وحقيقى فى الخطة القومية المصرية لتطهير الساحل الشمالى الغربى من الألغام، وأن وزيرة التعاون الدولى أكدت خلال لقائها أمس الخميس (آنذاك) بيل راميل وزير الدولة للشئون الخارجية أن بريطانيا طرف أساسى فى الحرب العالمية الثانية ومسئولة عن زرع ما يزيد على 60% من إجمالى الألغام فى المنطقة التى تمثل ربع مساحة مصر الكلية وتزخر بموارد تنموية هائلة غير مستغلة!
 ولست أدرى لماذا اقتصرت المطالبة التى تأخرت أكثر من نصف قرن على مجرد «المساهمة» فى خطة التطهير، ولا لماذا اقتصرت على انجلترا دون دولتى المحور ألمانيا وإيطاليا اللتين خاضتا وبريطانيا حرب شمال أفريقيا ما بين العلمين وإلى آخر الحدود المصرية مع ليبيا ؟! وتبادلت جيوشهما فى الكر والفر الذى يعرفه الدارسون لمجريات تلك الحرب التى لم تكن لمصر ناقة فيها ولا جمل ـ تبادلت زرع الألغام فى الساحل الشمالى المصرى ، فإذا كانت إنجلترا مسئولة عن زرع ما يزيد على 60% من إجمالى هذه الألغام ، فإن ألمانيا وإيطاليا مسئولتان عن زرع 40% من حقول هذه الألغام التى لا زالت تحمل الموت فى قلب قطعة غالية من الأراضى المصرية!
والاقتصار على إنجلترا دون ألمانيا وإيطاليا تفريط غير مقبول ، فى حين يعلم الجميع أن ألمانيا دفعت مليارات المليارات من التعويضات لإسرائيل رغم أن إسرائيل لا تحمل تفويضاً ممن طالتهم ممارسات ومحارق ألمانيا النازية، كما أن الاقتصار على طلب المساهمة دون تحمل كافة التكاليف بالإضافة للتعويضات، هو بدوره تفريط غير مقبول . إن انجلترا وألمانيا وإيطاليا مسئولون جميعا وبالتضامن فيما بينهم طبقا لقواعد المسئولية، عن رفع هذه الألغام، وعن التحمل بكافة تكاليف رفعها، وعن تعويض مصر عن الأضرار التى لحقت وتلحق بها من جراء وجود هذه الألغام فى بطن الأراضى المصرية البالغة ربع مساحتها لأكثر من نصف قرن.
 وتعرف وزارة التعاون الدولى، كما تعرف وزارة الخارجية ، والحكومة المصرية بعامة، أن عالم اليوم يموج بمبادئ وبممارسات جديدة للمسئولية الدولية وفرض أحكامها على العالم حتى بلغت حد تحميل ليبيا بتعويضات حادث لوكيربى دون حصرها فى الفاعلين أو المسئولين الفعليين عنه ، وبلغت حد غزو وتدمير أفغانستان برمتها تفتيشا عن أفراد ينتمون إلى تنظيم القاعدة، وحد غزو وتدمير العراق بحثا عن أسلحة دمار شامل استبان أنه لا وجود لها. وذات النظرية التى يستبيح بها الأقوياء هذه الأعمال، هى التى تنطلق منها فى عالم اليوم والقانون الدولى مسئولية الدول عن تعويض أضرار وضحايا الحروب .
 والحرب التى دارت فى الشمال الأفريقى إبان الحرب العالميـة الثانية، بين إنجلترا من ناحية ودولتى المحور ألمانيا وإيطاليا من ناحية أخرى، هى حرب غريبة عن مصر وإن جرت جبرا على أراضيها، فمصر فى ذلك الأوان كانت محتلة، وكانت إنجلترا هى دولة الاحتلال المالكة لزمام ومقادير القرار والفعل، ولم تكن لمصر مصلحة ولا هدف ولا ناقة فى هذه الحرب التى فرضت فرضا على أراضيها بين المتصارعين من دول الحلفاء والمحور، وقد تأخر طويلا إلزام هذه الدول بالمساهمة فى الخطة القومية المصرية لتطهير هذه الألغام عن أراضيها، بل الاضطلاع الكامل بأعمال وكافة تكاليف هذا التطهير، مشمولة بتعويضات كافية عما لحق بمصر من أضرار جسيمة متراكمة على مدار أكثر من نصف قرن ، فإن لم يتراض الأطراف على تعويض مصر بالقدر الملائم لما أصابها من ضر وما فاتها من كسب بتعطيل مشروعاتها على هذه القطعة الغالية من أراضيها، وجب تصعيد الأمر إلى منظمات المجتمع الدولى ومحكمة العدل الدولية بل وإلى المحكمة الجنائية الدولية لإقامة المسئولية وفرض وكفالة التعويض المستحق لمصر حكومة وشعبا على ما لحقها ويلحقها من أضرار جسيمة، ويوقف أى مشروعات لبناء العمار والمشروعات فى هذه القطعة الغالية من أرض مصر!
أسمع وأقرأ من آن لآخر أخبارًا تبدو سارة عن التزام بريطانيا بمبالغ تختلف تقديراتها بين الصحف المختلفة والمواقع الإخبارية، ولكنى لم أقرأ للآن ما يفيد تمام سداد بريطانيا لها على هذه التعويضات، ولم أسمع ـ فى حدود علمى ـ أن أيًّا من ألمانيا أو إيطاليا قد التزمت بالوفاء.
  أخشى وقد غالبنا السبات وصحونا، أن نعود إلى ما اعتدنا عليه!!!