قلم ووطن

الصين.. ونظام إقليمى مختلف

لواء دكتور سيد غنيم
لواء دكتور سيد غنيم

منذ أسابيع قليلة دعا "وانغ يى" وزير خارجية الصين لبناء منصة حوار متعدد الأطراف متساوية ومفتوحة لمنطقة الخليج على أساس الحفاظ على الاتفاقية النووية الإيرانية، لمناقشة قضايا الأمن الإقليمى الحالية، وإدارة الأزمة من خلال المشاورات الجماعية، وتهدئة التوتر والوصول إلى توافق جديد، وذلك من خلال ثلاثة التزامات رئيسية وهى (الالتزام بحكم القانون الدولى - الالتزام بحسن الجوار والأمن - التمسك بالعدالة والإنصاف والعمل المشترك على تحقيق الاستقرار).
تقدم دعوة الصين أسلوباً مختلفاً لتشكيل النظام الإقليمى للشرق الأوسط وصياغة قراراته (بصورة مشتركة دون انفراد قوة بعينها)، ما يظهر مساعيها للحفاظ على السلام والاستقرار. كما أنها تجسد أول دور سياسى للصين حديثاً فى أحد أهم أزمات المنطقة، مما قد يشير لظهور أدوار مماثلة الصين مستقبلاً فى أزمات المنطقة الأخرى.
إلا أن هناك عدة تحديات قد تواجه منصة الحوار الصينية يمكن توضيحها من خلال أربعة محاور رئيسية:الأول (الخليجي): وأساسه الأزمة الخليجية نفسها والتى تتمثل فى المقاطعة الرباعية لقطر.
والثانى (الإيراني): ويتلخص فى عدم التوافق بين إيران ودول الخليج، ويرجع لعدة عوامل أهمها: الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة. والقلق من أيديولوجية إيران القائمة على تصدير الثورات لنجدة المستضعفين، والذى فى رأيى لا يختلف عن التدخل الأمريكى فى الشأن الداخلى للدول. فنجد أن الدستور الإيرانى قد أشار فى ديباجته إلى آلية السياسة الخارجية للدولة الإسلامية (وهى مأخوذة عن استراتيجية الأمن القومى لإيران) حيث ذُكر بالنص "وبالنظر إلى محتوى الثورة الإسلامية فى إيران، التى كانت حركة تهدف لنصرة جميع المستضعفين على المستكبرين، فإن الدستور يعد الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً فيما يتعلق بتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلامية والشعبية إذ يسعى لبناء الأمة الواحدة فى العالم. ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة فى جميع أنحاء العالم".كما نجد تضرر دول الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة ومداومتهم على اتهام إيران بسعيها للحصول على سلاح نووي. ومن قيام إيران بإجراء مناورات بحرية فى الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان. بجانب التشدد الإيرانى حيال قضية الجزر الإماراتية لدرجة رفض التعاون مع اللجنة الثلاثية التى شكلها مجلس التعاون الخليجى للوساطة بين البلدين.
والثالث (الإسرائيلي):حيث موقف رئيس الوزراء الإسرائيلى "بنيامين نتنياهو" الرافض بشكل قطعى للاتفاقية النووية الإيرانية، والذى يصعب تغييره بواسطة من بعده مستقبلاً فى إسرائيل.والرابع (الأمريكي): حيث موقف الرئيس "ترمب" الداعم لتأكيد فكرة إلغاء الاتفاقية النووية، إلا أن الأمر قد يختلف مع نجاح "بايدن" وقيام "ترمب" بتسليم مقاليد الحكم له بسلاسة.
ولمجابهة تلك التحديات ستعمل الصين من منطلق كونها جزءا من الحل وليس من المشكلة، مما يجنبها التورط فى أن تكون أحد أطراف التفاوض أو المقايضة. وأن يصاغ الحوار لتقسيم الأزمة الإيرانية لمشكلات جزئية يتم التعامل مع كل منها بشكل منفصل (المشكلة الأقل تعقيداً أولاً)، وبما يزيد من التلاقى بين الأطراف، مع عدم استبعاد أى منها خلال الحوار. وفصل مشكلة الاتفاقية النووية الإيرانية عن المشاكل الإيرانية الخليجية الأخرى وكذا عن تطورات التطبيع العربى الإسرائيلي.
< أستاذ زائر للأمن الدولى بالناتو