الاغتيالات السياسية «3»| قصة قتل «أحمد ماهر باشا» على يد «العيسوي»

أحمد باشا ماهر
أحمد باشا ماهر

تأتي قصة قتل أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر، بعد المساعي التي قادها لمشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية بجانب الإنجليز وبالتحديد في عام 1945، حيث عقد البرلمان المصري جلسة لاتخاذ قرار إعلان المشاركة في الحرب مع دول الحلفاء وانضمام مصر للأمم المتحدة، وحينها عقد أحمد ماهر جلسة سرية مع مجلس النواب لشرح المكاسب التي ستحصل عليها مصر من مشاركتها في الحرب، وتمكن بالفعل من الحصول على تأييد شبه جماعي للمشاركة في الحرب العالمية الثانية.

 

من هو «أحمد ماهر باشا»؟


ولد أحمد محمد ماهر باشا في حي العباسية بمدينة القاهرة، ويوجد تاريخان لمولده، الأول أورده محمد السوادي في كتابه أقطاب مصر بين الثورتين، وهو عام 1885، والثاني 1885 الذي أورده الدكتور يونان لبيب رزق، في كتابه تاريخ الوزارات في مصر، وهو من أصل شركي، كان والده محمد ماهر باشا، وكيلاً لوزارة الحربية عام 1894، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، عندما أهان الخديوي اللورد كتشنر سردار الجيش المصري والحاكم العام للسودان.
 

تخرج ماهر باشا في كلية الحقوق عام 1908، ومارس المحاماة لمدة عامين، ثم سافر عام 1910 إلى مونپلييه ليدرس القانون والاقتصاد في جامعتها ثلاث سنوات ونال منها درجة الدكتوراة.

 

بعد تخرجه، قام عام 1913 بالتدريس لمدة 8 سنوات في مدرسة التجارة العليا، حيث ارتبط مع النقراشي باشا بصداقة وثيقة، فتزاملا وسارا معاً تحت راية سعد زغلول، كما التحقا بأجهزة عبد الرحمن فهمي السرية.

"عملية اغتياله"


في ٢٤ فبراير ١٩٤٥، وبعد أن ألقى أحمد ماهر، بيان الحكومة حول إعلان الحرب على خصوم الحلفاء في مجلس النواب وأثناء انتقاله إلى مجلس الشيوخ عبر البهو الفرعوني لكي يدلي ببيانه، قام شاب يدعى محمود العيسوي، كان عضوا بالحزب الوطني، ومحامي في مكتب سكرتير الحزب عبدالرحمن الرافعي، بإطلاق الرصاص عليه فأصابه في مقتل.

وعلل "العيسوي" إقدامه على اغتيال ماهر بأنه تسبب في إعلان مصر الحرب على ألمانيا واليابان، وعلى إثر مقتل أحمد ماهر اتجهت نية الملك نحو تعيين النقراشي باشا وزيراً للداخلية بالنيابة، وبذلك تبقى الوزارة بلا رئيس غير أن محمد حسين هيكل باشا، رئيس مجلس الشيوخ، وأشار على الملك بتعيين النقراشي رئيساً للوزارة باعتباره نائب رئيس الهيئة السعدية، على أن تبقى الوزارة كما هي، وفي ساعة متأخرة من نفس العام تم تأليف وزارة النقراشي دون أي تغيير باستثناء وجود النقراشي على رأسها، وزيرا للداخلية.

 

من هو "محمود العيسوي"؟

كان «العيسوي» ضمن صفوف الحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفى كامل، وضمن الشعبة المدنية في الحزب التي تم تأسيسها لمقاومة الاحتلال الإنجليزي، وهو من مواليد قرية «بني غربانة» التابعة لمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، وحصل على شهادة الحقوق عام 1939 ودبلوم القانون الخاص عام 1940، ودبلوم القانون العام بتفوق عام 1941، وأعد رسالة للدكتوراه في الحقوق بعنوان «مركز مصر الدولي بعد إبرام معاهدة سنة 1936»، وبهذه المواصفات نحن أمام شاب متفوق علميا، وحسب كتاب «نضال شعب مصر»، فإنه عمل محاميا في مكتب عبدالرحمن الرافعي، لكنه لم يكن يباشر الدعاوى التي يتم تداولها في المكتب، وإنما تفرغ تفرغا تاما لقضايا مصر داخليا وخارجيا.

"لم يندم" على فعلته

كان العيسوي، ضمن فريق صقور الحزب الوطني، ويرى هذا الفريق أن العنف المسلح هو الوسيلة الوحيدة لإجبار الاحتلال على مغادرة مصر، وفي مسار محاكمته لم يُبدِ أي ندم على ما فعله، فبعد أن تولى محمود فهمي النقراشي رئاسة الحكومة فور اغتيال «ماهر»، أمر بإحالة القضية إلى المحكمة العسكرية العليا برئاسة «محمود منصور بك» وعضوية حسن حمدي بك واثنين من العسكريين.

"مشهد إعدامه"

في تحقيقات النيابة اعترف الشاب محمود العيسوي في كلمات مقتضبه، أنه كان ينتمي للحزب الوطني المعارض لتوجه أحمد ماهر باشا.. أي أنه أقدم على فعلته ليمنع قرار دخول مصر الحرب مع إنجلترا من مبدأ أن الأولى بالحرب هم الإنجليز المحتلون وليس الألمان الذين لم يحتلوا أرض مصر ولم يمارسوا فيها أي فظائع، فلماذا نحاربهم ولم تجمع بيننا عداوة من قبل بينما نترك من يسرق أقواتنا فعلا؟

اقتاد الحراس الشاب محمود العيسوي إلى المشنقة، وحين سُئل عما يطلبه، أجاب بأن يسمح له بالصلاة، فتوضأ وصلى الصبح، وتوجه يوم 18 سبتمبر 1945 إلى حبل المشنقة، وقبل وضع «الطاقية السوداء» على رأسه قال كلمته: «أنا لا يهمني إلا حكم التاريخ، وأرجو من الصحفيين ألا يشوهوا سمعتي كما شوهوا القضية، وكلمتي لهم ألا تفتروا على ميت». 

اقرأ أيضا:

الاغتيالات السياسية «2»| مقتل «بطرس باشا غالي» في عهد الاحتلال البريطاني