الاغتيالات السياسية «2»| مقتل «بطرس باشا غالي» في عهد الاحتلال البريطاني

اغتيال «بطرس باشا غالي» على يد «إبراهيم الوردانى»
اغتيال «بطرس باشا غالي» على يد «إبراهيم الوردانى»

تعددت مشاهد الاغتيالات السياسية في مصر، بداية من المماليك في مذبحة القلعة، كما ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا الملف، مرورًا بفترة الاحتلال البريطاني، التي شهدت واحدة من أبرز الاغتيالات السياسية، لشخص بطرس باشا نيروز غالي، رئيس وزراء مصر السابق.
من هو «بطرس باشا غالي»..؟


ولد بطرس غالى فى بلدة الميمون بمحافظة بنى سويف سنة 1846، وكان والده غالى بك نيروز ناظرًا للدائرة السنية لشقيق الخديو إسماعيل فى الصعيد، التحق بطرس غالى فى صغره بأحد الكتاتيب كغيره من المصريين حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة ثم التحق بالمدرسة القبطية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مدرسة البرنس مصطفى فاضل، وكانت تلك المدرسة تهتم بتدريس اللغات فأتقن الإنجليزية والتركية.

وتم تعيينه مدرسًا بالمدرسة القبطية بالقاهرة، لكنه سافر بعد ذلك فى بعثة إلى أوروبا لتلقى تعليمه العالى هناك، وعندما عاد بطرس من أوروبا عمل فى الترجمة بالإسكندرية، وعندما قامت الثورة العرابية فى مصر بقيادة أحمد عرابى كان بطرس من أنصارها ومن المنادين بالتفاوض مع الخديو، ولذا اختير ضمن وفد المفاوضة للتفاوض مع الخديو باسم العرابيين.


حصوله على « رتبة الباشاوية»


حصل على رتبة الباشاوية من الأقباط، وصعد نجم بطرس غالى سريعًا، ففى عام 1893 تولى نظارة المالية فى بداية عهد الخديو عباس حلمى الثانى فى نظارة رياض باشا التى استمرت حوالى عام، ثم لم يلبث أن أصبح ناظرًا للخارجية، فى النظارة الثالثة التى شكلها مصطفى فهمى باشا الذى كان يعتبر رجل الإنجليز فى مصر، واستمر فى نظارة الخارجية ثلاثة عشر عامًا من 12 نوفمبر 1885 حتى 11 نوفمبر 1908 وهى أطول فترة يشغلها ناظر فى هذا المنصب الكبير.

اقرأ أيضا| الاغتيالات السياسية «1»| مشاهد من مذبحة القلعة.. وقصة الناجي الوحيد


«كيف تم اغتياله»؟ والأسباب


هناك عدة أسباب وراء حادث اغتيال بطرس غالى، وذلك لتوقيع اتفاقية السودان 19 يناير 1899، ودوره فى محكمة دنشواى الخاصة التى انعقدت يوم 23 نوفمبر عام 1906، وبعث قانون المطبوعات 25 مارس 1909، بالإضافة إلى دوره فى مشروع مد امتياز قناة السويس.
كان الحزب الوطنى يرى أن بطرس غالى هو عضد الخديو الأيمن فى سياسته الجديدة، فهو الذى سافر معه إلى لندن فى صيف سنة 1908 حين كان وزيرًا للخارجية فى وزارة مصطفى فهمى، وتفاهم مع الإنجليز على السياسة الجديدة، وقد كان من قبل مستشاره وسفيره فيما كان ينشب بينه وبين كرومر من خلاف.


«المتهم بقتل بطرس باشا غالي»

الجانى (إبراهيم الوردانى) هو شاب مصري اعترف بجريمته، وبرر إقدامه على قتل بطرس باشا غالى بأنه وقع اتفاقية السودان فى 19 يناير عام 1899، بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها، وكان ضمن تشكيل محكمة دنشواى، وإعادته العمل بقانون المطبوعات القديم فى 25 مارس عام 1909، وقانون النفى الإدارى فى 4 يوليو من نفس العام، كان له دور فى محاولة مد مشروع امتياز قناة السويس، كما اعترف بأنه قصد قتل بطرس باشا غالى منذ زمن.

فقد وقع بطرس باشا غالى اتفاقيتى الحكم الثنائى للسودان فى 19 يناير عام 1899 بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها، واللورد كرومر بالنيابة عن الحكومة الإنجليزية، وبموجب تلك الاتفاقية أصبح لانجلترا رسميًا حق الاشتراك فى إدارة شؤون الحكم بالسودان، ورفع العلم الإنجليزى إلى جانب العلم المصرى فى أرجائه كافة، وتعيين حاكم عام للسودان بناء على طلب الحكومة البريطانية، وأصبح المصريون غرباء عنه أو خداما للإنجليز فيه.

ولم يذع أمر الاتفاقية إلا عقب توقيعها، وكانت الصحف تجهل أمرها، ولم تنشر شيئًا عن مقدماتها، ولم تحدث مفاوضات ما بصددها، وإنما هى إرادة اللورد كرومر أملاها على وزارة مصطفى فهمى، فقبلتها بلا مناقشة، كل ما حصل من المفاوضة بشأنها أن اللورد كرومر سلم بطرس باشا غالى مشروع الاتفاقية كما وضعته وزارة خارجية انجلترا، فأخبر بطرس باشا غالى الوزراء بالأمر، فقبلوا المشروع دون أن يطلع أكثرهم عليه.

وجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية جعلت لبريطانيا حقًا مشروعًا وأعطتها نفوذًا لم تكن تحلم به، فمن الناحية الفعلية فصل هذا الاتفاق السودان عن مصر، وأصبحت جميع السلطات فى يد حاكم عموم السودان وهو بريطاني، كما أن موافقة الحكومة المصرية عليه تتم فى صورة شكلية، وتشريعات القطر المصرى لا تسرى على السودان، غير أن الواقع بالنسبة للاتفاق الثنائى يخالف الجانب الرسمى له كل المخالفة، فقد انفردت بريطانيا وحدها بمهمة وضع الاتفاق، وكان دور مصر شكليًا بحتًا، لم يزد على توقيع الاتفاق حين قدم لها.

«حادثة دنشواي» وعلاقتها بالاغتيال

وفى 13 يونيو عام 1906، كانت جماعة من الضباط الإنجليز تقوم برحلة صيد حمام بجوار قرية دنشواى بالمنوفية بدعوة من عبدالمجيد بك سلطان أحد أعيان القرية، وفى أثناء الصيد شب حريق فى أحد الأجران بفعل البارود المشتعل، فهاج الفلاحون وهجموا على الشباب الإنجليز، وفى الهرج أطلق أحد الضباط الإنجليز خرطوشة أصابت امرأة فسقطت جريحة، فهجم أهلها على الضباط وانهالوا عليهم ضربًا، وأثناء فرار أحدهم أصيب بضربة شمس ولقى مصرعه وتم اتهام أحد الفلاحين بقتله.

وطبقًا للقانون العرفى الصادر فى عام 1895 لحماية أرواح قوات الاحتلال البريطانى، وبناء على قرار الاتهام المقدم من محمد شكرى باشا مدير المنوفية، شكلت محاكمة خاصة يوم الأحد 23 نوفمبر عام 1906، كان قضاتها بطرس باشا غالى ناظر الحقانية بالنيابة، وفتحى بك زغلول رئيس المحاكم الأهلية، ومستر هيتر المستشار القضائى بالنيابة، ومستر بوند نائب رئيس المحاكم، وكان القاضى العسكرى الكولونيل لدلو يمثل جيش الاحتلال، أما سلطة الاتهام المصرية، فكان يمثلها إبراهيم بك الهلباوى.

وقد صدر الحكم بإعدام أربعة من أهالى دنشواى وهم (حسن محفوظ، يوسف سليم، السيد عيسى سالم، محمد درويش زهران)، كما قضت بالأشغال الشاقة مددًا مختلفة على 12 متهمًا وبالجلد خمسين جلدة لكل منهم، وذلك إثر اتهامهم بقتل ضابط بريطانى مات متأثرا بضربة شمس، أثناء قيام مجموعة من جنود الاحتلال بالصيد داخل حقولهم.

«رئاسة بطرس غالي للمحكمة»

كانت رئاسة بطرس باشا غالى لتلك المحكمة من الأمور التى أخذت عليه، وكانت ذريعة لمهاجمته واتهامه بمساندة وموالاة الإنجليز، وبنظرة متمعنة فى الحادث وتفاصيل المحاكمة تتضح الكثير من الحقائق التى غابت عن دور بطرس باشا غالى فى المحاكمة، أهمها أن دور بطرس غالى كان شكليًا حيث عقدت المحكمة المخصوصة برئاسة بطرس باشا غالى بصفته قائمًا بعمل ناظر الحقانية، فإن القدر وضعه فى رئاسة هذه المحكمة نتيجة لظروف إدارية بحتة وهى غياب ناظر الحقانية آنذاك إبراهيم فؤاد باشا الموكل إليه أساسًا رئاسة المحاكمة بحكم قانون عام 1895.

«مشهد الاغتيال»

فى الواحدة من ظهر 20 فبراير 1910، خرج بطرس باشا غالى من مكتبه بمجلس النظار «مجلس الوزراء» برفقته حسين باشا رشدى وزير الحقانية ( العدل)، وفتحى باشا زغلول وكيلها وعبد الخالق ثروت باشا النائب العمومي، وما أن هم بطرس باشا غالى بدخول سيارة رئاسة الوزراء حتى دوت 6 رصاصات، استقرت ثلاث منها فى رقبة بطرس غالى باشا، ونجح الحرس فى القبض على الشاب القاتل، بينما تم نقل بطرس غالى باشا للمستشفى وهناك تم إخضاعه لعملية جراحية استغرقت ساعة ونصف، لكنه فارق الحياة.