مصر المستقبل

حيلة الإسقاط

رشا الشايب
رشا الشايب

كثيرا ما تمر علينا مواقف وأحداث وردود أفعال غريبة تصدر من بعض الأفراد، وقد لا نجد تفسيرًا منطقيًا لها، فلا نملك سوى التعجب والاندهاش أمام سلوكيات غير مفهومة وغير مبررة بالنسبة لنا، ولكننا فى أغلب الظن قد نُرجع هذه السلوكيات إلى عدم اتزان النفس أو اختلال القوى النفسية.
وتتعدد الأمثلة، فحينما تجد شابًا يرتاب فى جميع الناس بلا مبرر أو منطق، أو حينما تجد من يزعم أن الكل يكرهه أو يضطهده أو يكيد له، أو من يميل إلى انتقاد الآخرين بضراوة انتقادًا ساخرًا ولاذعًا كالذى يتهم الآخرين بالكذب وهو أكبر الكاذبين، أو كالذى يطعن ويُشكك فى ذمم الآخرين دون سند والحقيقة أنه هو المذنب والفاسد، وقد يرتاح لهذه الفعلة لكى يخفف من شعوره بالذنب، أو الزوج الخائن الذى يشك دومًا فى زوجته، أو كالذى يلوم غيره من الناس ويكثر اللوم على الأقدار وسوء الحظ والحسد إن تعرض للفشل أو واجه صعوبات شتى.
ويسمى علماء النفس هذا السلوك بالإسقاط، والإسقاط هو حيلة دفاعية لا شعورية يقوم بها الفرد للتخلص من التوتر والقلق، وهى إجراءات لا تستهدف حل المشكلة بل التخلص من القلق وتجنبه، ولكى نتفهم أكثر هذه السلوكيات الغريبة والتى قد تصدر عن بعض الناس يجب أن نفهم ما الدافع الذى يجعلهم يلجأون لمثل هذه الحيل ؟
فيقول الدكتور أحمد عزت راجح أستاذ ورئيس قسم علم النفس بجامعة الإسكندرية سابقا فى كتابه أصول علم النفس: إن الإسقاط يتخذ مظهرين، أولهما أن ننسب عيوبنا ونقائصنا ورغباتنا المستكرهة المكبوتة إلى غيرنا من الناس وذلك تنزيها لأنفسنا وتخفيفا مما نشعر به من خجل أو قلق أو ذنب.
فالارتياب فى الناس قد يكون إسقاطًا لعدم ثقة الفرد فى نفسه، والكاذب والجحود والأنانى أو الذى لا يفطن وجود هذه الخصال فى نفسه فينسبها إلى غيره، وكثيرا ما يكون فضح الناس نوعًا من الإسقاط لأن من يشعر بالذنب إن تراءى له أن الآخرين مذنبون أيضًا، خفف ذلك من شعوره بالذنب.
أما المظهر الثانى للإسقاط فهو توجيه اللوم بكثرة للغير من الناس أو الأشياء أو الأقدار أو الحسد أو سوء الطالع على ما نلقاه من صعوبات أو ما نمنى به من فشل وما نقع فيه من أخطاء، فنعزو الرسوب فى الامتحان إلى صعوبته، والفشل فى إنجاز أمر ما إلى الحسد أو سوء الحظ.
فالإسقاط كما يقول د. راجح اتهام واعتداء وقذف، وهو أساس الهلاوس وهكذا نرى أن أحكامنا على الناس كثيرا ما تكون أحكاما على أنفسنا، فهى اعترافات أكثر من كونها اتهامات ولكن أكثر الناس لا يشعرون.
وكما قال الشاعر نعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا... وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا، وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا.