التصنيع قاطرة التنمية ... ولكن!

د. فرخندة حسن
د. فرخندة حسن

د. فرخندة حسن

بدعوة كريمة من مؤسسة أخبار اليوم سعدت بحضور مؤتمرها الاقتصادى الأخير الذى عُقد ضمن سلسلة من المؤتمرات تقوم عليها المؤسسة مشكورة، يتناول كل مؤتمر منها أحد محاور الوضع الاقتصادى فى مصر. كان شعار المؤتمر هذه المرة «التصنيع قاطرة التنمية». وعلى مدى يومين ومن خلال مناقشات مهمة تناولت بعض مجالات التصنيع بوضوح وشفافية بات واضحاً أن التصنيع المحلى له أكبر الأثر على زيادة الدخل القومى ومعدلات النمو الاقتصادى وأحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية بصفة عامة.. لا تقتصر أهمية التصنيع على التنمية الاقتصادية فقط بل له دور محورى فى التنمية الاجتماعية والسياسية. إن البعد الاجتماعى للتصنيع المحلى لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادى بل فى تصور البعض أنه أكثر أهمية وذلك من خلال توفير فرص العمل وخفض مستوى البطالة، ويشكل بعداً مهماً لاستدامة النمو الاقتصادى ... إلا أن العائد الاجتماعى لسياسة التصنيع لن تتحقق بالصورة المرجوة إلا إذا ارتبطت بسياسات التعليم والتدريب لتوفير العمالة الماهرة والكوادر القادرة على رفع مستوى الإنتاج خاصةً والعالم يمر بثورة صناعية من خلال نقلة بل طفرة تكنولوجية هائلة تتسارع فيها التطورات فى تكنولوجيا التصنيع بهدف زيادة وتحسين الإنتاج وترشيد استخدام الطاقة... الخ وتعتمد إلى حد كبير على تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى وغيرهما وهو ما يحتم تطوير البرامج التعليمية فى المعاهد والجامعات فى الكليات والمعاهد ذات الصلة وفى مدارس التعليم الفنى وإنشاء تخصصات جديدة تماماً لتنمية قدرات خريجيها مما يمكنهم من اكتساب مهارات مختلفة تماماً عن المهارات الحالية فى الوقت الحالى وتنمية القدرات لمواجهة ما قد يحدث من تغيرات مستقبلية.
نعتمد إلى حد كبير على استيراد التكنولوجيا من الخارج فهى وإن كانت تؤدى إلى مستوى أحسن من الإنتاج وبالتالى تزيد من معدلات النمو الاقتصادى إلا أن استيراد التكنولوجيا من الخارج له آثار سياسية سلبية إذ يدعم التبعية للمجتمع المصدر للتكنولوجيا سواء كانت تلك التكنولوجيا للتصنيع الزراعى أو الغذائى أو الصناعات الثقيلة بما فى ذلك الصناعات الحربية وهو ما له آثار سياسية خطيرة وتقيد من الحرية فى اتخاذ القرار... هذه التبعية التكنولوجية أصبحت الآن سلاحاً يستخدمه الاستعمار فى شكله الجديد. هذا بالإضافة إلى أن استيراد التكنولوجيا لا يؤدى إلى تنمية القدرات الوطنية ولا يحقق نمواً مستداماً.
يحتاج الأمر إلى وضع إستراتيجية وطنية جديدة تأخذ فى الاعتبار التطورات المتسارعة فى تكنولوجيا التصنيع وسبل مواجهتها ومواكبتها وتتيح فرصا لمجالات جديدة للتصنيع فقد آن الأوان للبدء بجدية فى تصنيع المعدات والتكنولوجيات المستخدمة فى الأنشطة الصناعية المختلفة والتى يطلق عليها «المعدات الاستثمارية» للحد أو التقليل من الاستيراد وهو ما طالب به أعضاء مجلس الشورى الذى للأسف تم حلّه... ففى تقرير قامت بإعداد لجنة الإنتاج الصناعى والطاقة بمجلس الشورى فى عام 1997 تم تناول هذا الموضوع فى إطار الواقع الفعلى وأوصى بضرورة تصنيع المعدات الاستثمارية محلياً وسرد التقرير بوضوح الآثار الإيجابية لذلك سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.
إن وضع إستراتيجية جديدة للتصنيع تأخذ كل المستجدات فى الاعتبار وترتبط بسياسات القطاعات الأخرى ذات الصلة وتركز على أن تكون المكوِّن التكنولوجى مهما يتلاءم مع واقع المشكلات التنموية فى مجتمعنا. تكون مثلاً تكنولوجيات كثيفة العمالة لتستوعب الأعداد المتزايدة من الأيدى العاملة التى تتدفق على سوق العمل باستمرار، وأن تغيِّر الإستراتيجية من الوضع الحالى بحيث تتيح لأعداد أكبر من المشاركة فى الإنتاج وفى زيادة الدخل القومى وهو الذى سوف يتحقق إذا ما تم تعزيز توجه الدولة الجديد السليم وهو تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية فى الصغر الذى لو تم العمل على إنجاحه بجدية، لعمَّت الفائدة على أعداد أكبر من أفراد الشعب بدلاً من وضع الإنتاج فى يد نسبة ضئيلة منه وهو ما يحقق عدالة اجتماعية وأمن إنسانى وبالتالى أمن قومى نصبو إليه جميعاً.