ماذا يحدث في مقابر مصر.. انتهاك للموتى أم مواجهة لـ«الأرواح الشريرة»؟

«تنظيف المقابر» بين كشف السحر المدفون وانتهاك حرمة الموتى.. و«علماء دين»: فتنة وخرافات
«تنظيف المقابر» بين كشف السحر المدفون وانتهاك حرمة الموتى.. و«علماء دين»: فتنة وخرافات

- العثور على طلاسم وعظام وشعر وملابس داخلية.. ومبادرات شبابية تستعين بـ«شيخ» للمشاركة في التنقيب

- أحمد كريمة: «كلام فارغ» و«فتنة» نحن في غنى عنها

- «خالد الجندي»: خيال.. و«آمنة نصير»: ألاعيب يقع فيها الجهلة

- «سعاد صالح»: خُرافات.. وهذه رسالتي لشباب هذه المبادرات

لقيت ظاهرة تنظيف المقابر رواجًا كبيرًا في كثير من المحافظات وخاصة قرى الصعيد والأقاليم، وانعكس ذلك على صفحات السوشيال ميديا، حتى كاد الأمر يتحول إلى حالة تستدعى البحث والمناقشة، فبدعوى طرد السحر الأسود والأرواح الشريرة وإبعاد الأعمال السفلية والشعوذة عن الموتى، دُشنت حملة ومبادرة شبابية بعنوان «نضفوا المقابر» في شهر أكتوبر الماضي، بدأت عملها في مقابر مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وعثرت على عدد كبير جدًا مما أسموه بـ«الأعمال» داخل المقابر.

وكشفت الحملة التطوعية عن الكثير من هذه الأعمال «مدفونة» في مقابر، وتنوعت ما بين الكتابات السحرية عليها طلاسم يعلمها ممارسو السحر والشعوذة مرسومه بـ«دماء العادة الشهرية للنساء»، وعظام وشعر وملابس داخلية لوازم  السحر والشعوذة، وفقًا لوصفهم.

 

بالفعل بدأوا التنقيب عنها في ظل وجود «شيخ» متخصص في معالجة هذه الأعمال والتعامل معها، زاعمين أن علاجها يحتاج إلى بعض التعاملات الحريصة لأنها لا تنفك بأي وسيلة بل لها نظام وأسلوب علمي متخصص.

تنظيف المقابر

«بوابة أخبار اليوم» بحثت في الظاهرة مع علماء الدين، وتحدثت حول حقيقة وصف هذه الأشياء التي عثروا عليها بالأعمال السحرية السفلية، ورأي الدين في تنظيف المقابر، فتباينت الآراء ما بين اعتبار تلك المبادرة عملًا تطوعيًا لإدراء الضرر عن الناس، بينما أكد آخرون أن للموتى حرمة لا يجب انتهاكها مهما حدث، كما حثنا ديننا الحنيف، وإلى التفاصيل..

 

كلام فارغ

في البداية، وصف الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، هذا الحملات بـ«الكلام الفارغ»، مؤكدًا أن للمقابر حرمة، فكما قال العلماء فإن القبر مسكن الإنسان بعد موته، فلا تجوز إهانته بأي حال من الأحوال، ولا يجوز نبشه سواء كان الموتى للمسلمين أو غيرهم، وسواء كانت أجسام الموتى جديدة أو من أزمنة بعيدة، مبديًا آسفة عن تعريض المقابر لما حرمته وجرمته الشريعة الإسلامية من أعمال سحرية إلى دجل وشعوذة وطلاسم، معتبرًا هذه الأشياء مُحرمة جملة وتفصيلًا.

وقال «كريمة» لـ«بوابة أخبار اليوم»: إن ما يعثر عليه ويكتشفه الأفراد القائمون على تلك الحملات، شيء يدعو إلى الآسى والحزن، مؤكدًا على أهمية إيمان المسلمين بالقدر بخيره وشره، مستشهدًا بقول الله تعالى «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»- سورة يونس.

 

وأوضح أن الدين الإسلامي يأمر باتخاذ الوسائل المباحة والمشروعة، والتوكل على الله وحده، وليست ممارسة هذه الأفعال التي تقترب من الشرك بالله عز وجل، متابعًا: ويكفي أن الله في جريمة السحر بين عاقبة ذلك في سورة البقرة {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

وواصل الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف أن الأشياء التي تم العثور عليها في المقابر من المهم أن لا يشغل الناس أنفسهم بهذه «الهلاوس»، لأنها ستؤدي إلى فتنة نحن في غنى عنها، مشددًا على ضرورة ترك المقابر مغلقة كما هي وعدم التعدي على حرمة الموتى.

ألاعيب الشياطين

بينما أشادت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، بقيام الأهالي بحملة لتنظيف المقابر من السحر الأسود، موضحة أن السحر والشعوذة يمس صحيح الدين ويخرج عن الملة، حيث يخرج الإنسان الذي يقوم به من دائرة الإيمان.

 

وعبرت «نصير» في تصريحات إعلامية، عن اندهاشها من المجتمع المصري والذي يجيد التعامل مع الإلكترونيات ثم النزول مرة أخرى الانحدار خاصة في ممارسة السحر والشعوذة الذي كان موجودًا في العصور الوسطى، وهو ما ترفضه العقيدة الصحيحة، موضحة أنه من يقوم بهذا النوع من الأعمال فقد يمس عقيدته كون من جاء بساحر أو من هذه الأمور تقدح في عقيدة المسلم والإنسان.

 

وتابعت: «مازلنا نترك الشياطين تلعب بعقول الناس، ولكن يجب مواجهتها لأنها لا تتفق مع صحيح الدين ولا تتسق مع العقيدة السليمة دي أعمال شيطانية تفسد عقيدة الإنسان، ومن يعتقد بهذه الأشياء هو اعتقاد فاسد وهذه من ألاعيب الشيطان الذي يقع فيها الجهلة».

«كلام في الكلتش»

أما الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فكان له رأي أخر، فعلق على انتشار بعض الأعمال السحرية في المقابر في أسيوط، قائلًا: «بعض أهالي أسيوط قاموا بإخراج بعض الملابس الداخلية من المقابر وبعض الأشياء القذرة التي يدفنها البعض متصورًا أنه يقوم بأعمال سحرية من خلال هذا الأمر، مش ممكن يكون مستقبلك متوقف على ملابس الداخلية».

 

وأضاف «الجندي» في تصريحات تلفزيونية: «يا راجل عيب عليك، يعني لو أنا أخذت جزء من ملابسك الداخلية ودفنته في مقبرة اتوقف حلالك، ومراتك تطلق، ومحلاتك تقفل، معقولة ربنا يسيبك ملطشة لشوية جن، وواحد صايع يقطع حتى من فنلتك ويعملك عمل».

 

ولفت إلى أن السحر المتواجد الآن من وجهة نظر البعض عبارة عن خيال وشيء غير حقيقي، ومن يعترف بالسحر عليه أن يعترف بأنه وهم وخيال وشيء غير حقيقي، معقبًا: «السحر كلام في الكلتش، كلام مالوش أي معنى في هذا الوقت».

انتهاك حرمة الموتى!

فيما اعتبرت الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الشباب القائمين على مبادرات تنظيف المقابر بادرة إيجابية لا تتعلق بانتهاك حرمة الموتى، على اعتبار بحث الشباب عن الأعمال- التي وصفتها بالشعوذة، بعيدًا عن جثامين الموتى أو أماكن الدفن لأن جسد الميت مُصان، مؤكدة أن تنظيف المقابر ورش المياه بها والزراعة بها، شيء إيجابي.

وذكرت «صالح» لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن هذه المبادرات تعد نوع من أنواع النظافة غير أن ما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي من الأشياء الغريبة التي تم العثور عليها وإدعاء أنها أعمال سحرية بمثابة «خرافات» ليست من الدين في شيء، مستطردة: «من صدق كاهنًا فهو كافر»، مشيرة إلى أن ليس هناك ما يسمي بالأعمال السحرية، ومن يؤمن بذلك فهو كافر.

ووجهت الدكتورة سعاد صالح رسالة للشباب المتطوعين في مبادرات تنظيف المقابر، قائلة: «استمروا في عملكم، لكن لا تصدقوا السحرة، والموضوع ليس بخطير، فلا تقلقوا».