حبوا بعض

ساحر أوز العجيب

أمنية طلعت
أمنية طلعت

مازلت حتى الآن أعيد قراءة بعض قصص الأطفال القديمة والتى أثرت فى تكويننا النفسى منذ بكارة أيامنا الأولى، وفى كل مرة أعيد قراءة قصة منها أكتشف معانى جديدة، أو مواقف مضحكة. فشخصية بطوط مثلاً فى مجلة ميكى كانت ملهمة بالنسبة لى، تعلمت منها أنها شخصية نضحك عليها فقط ولكن يجب ألا نكون مثلها، فلا يوجد شيء جيد فى كونك ضائعا تعيش بلا هدف ولا خطة ويثير غضبك أى شيء تواجهه لأنك ببساطة لا تحاول اكتشاف طبيعة الأمور بعقلك ولو مرة واحدة فى حياتك. هذا هو «بطوط» إذا ما حاولت أن تنزعه من سياقه الساذج وتضعه فى إطار علم النفس التحليلى.
أما شخصية دوروثى فى رواية «ساحر أوز العجيب» للكاتب الأمريكى ليمان فرانك باوم، فلها فصل كامل من فصول طفولتى، ربما لأننى ارتكبت الكثير من الأخطاء التى ارتكبتها وتسببت فى ضياعها بعيداً عن منزلها لتخوض مغامرات خطيرة من أجل أن تعود إلى نفس المنزل الذى كانت تكرهه من الأساس.
تعيش دورثى اليتيمة مع عمها وعمتها بعد أن توفى والدها، حيث كانت تكره منزلهما وتتمنى أن تغادره فى أقرب فرصة ممكنة، فيهب إعصار عنيف ويختبئ عمها وعمتها فى القبو، أما هى وكلبها توتو فيختبئان أسفل السرير، لكن الإعصار يقتلع المنزل من جذوره ويهبط به فى بلاد «ساحر أوز العجيب».
تبدأ دوروثى فى رحلتها للبحث عن طريق العودة إلى عمها وعمتها بعد أن قتلت دون قصد الساحرة الشريرة وأنقذت الأقزام، ليرشدوها إلى الساحرة الطيبة ربما تستطيع أن تعيدها إلى منزلها، لكن الساحرة الطيبة تؤكد لها أن الساحر أوز هو الوحيد الذى يمتلك القدرة على إعادتها إلى بلدها وعمها وعمتها، فتذهب دوروثى إلى أوز، وفى الطريق تقابل الرجل القش والرجل القصدير والأسد وكلهم لديهم طلبات لا يستطيع سوى أوز تلبيتها، لكنهم جميعاً وبعد رحلة طويلة من المغامرات يكتشفون أن ما يحتاجون إليه، لديهم منذ البداية لكنهم لم يعوا إليه، فالرجل القش لديه عقل راجح أرشدهم طوال الرحلة، والرجل القصدير لديه قلب يحب ويتعاطف، والأسد يمتلك القوة والشجاعة اللازمة لأى موقف، أما دوروثى فترتدى الحذاء الذى بإمكانه إعادتها لبلدها بمجرد أن تطرق به على الأرض منذ البداية.
كثيراً ما نكتشف أن السعادة والتحقق اللذين أضعنا فى البحث عنهما سنين طويلة، كانا إلى جوارنا طوال الوقت لكننا لم نلحظهما إلا الآن، فنتساءل: على ماذا كانت كل هذه الرحلة؟ الإجابة بسيطة، أحياناً نحتاج إلى قطع مشوار طويل كى ندرك قيمة ما لدينا فعلاً!