أوباما فى الوقت الضائع

يوميات الأخبار

بعد مرور الاسبوع الأول من شهر سبتمبر من كل عام تتحول منظمة الأمم المتحدة فى نيويورك إلى خلية نحل حيث تستعد لاستقبال الرؤساء والملوك ورؤساء وفود جميع الدول للاشتراك فى افتتاح الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة... ومن المقرر أن تبدأ أعمال الدورة يوم ١٣ الجارى وهى الدورة الـ٧١ فى تاريخ المنظمة.
وتمضى الايام الاولى للدورة فى تناول بعض القضايا الاجرائية مثل انتخاب رؤساء اللجان او اضافة بند جديد لجدول الأعمال.. أما المناقشة العامة والتى يشارك فيها رؤساء الدول والحكومات فتبدأ يوم ٢٠ سبتمبر وذلك حيث ان الأمم المتحدة ادركت مؤخراً أن قضايا اللاجئين والمهاجرين تستحق اتفاقا ومناقشة على مستوى القمة.
وبالتالى تقرر عقد قمة على مستوى رؤساء الدول والحكومات بشأن التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين. وهى فرصة تاريخية للتوصل لمخطط استجابة دولية افضل للتعامل بمزيد من المسئولية تجاه التحركات الضخمة للاجئين والمهاجرين.. وستعقد هذه القمة يوم ١٩ سبتمبر الجارى.
لا يستطيع أى شخص أن يتصور كيف يمكن لرؤساء وقادة أكثر من 190 دولة الحديث عن هذه الأزمة العالمية.. إلا أن الحل كان هو تحديد مدة كل خطاب بحيث لا يتعدى 4 دقائق فقط.. ويتم ذلك من خلال ثلاث لمبات صغيرة اشبه باشارة المرور: اخضر ثم اصفر ثم أحمر... وعلى السادة الرؤساء والحكام الالتزام.
ولكن الوقت يكون أطول عند المناقشة العامة حيث يتم السماح بـ 15 دقيقة... وبالمناسبة كان الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مقدمة من التزموا بهذا النظام... وبالمناسبة ايضاً قد يكون هناك تساؤل لماذا تجلس الدولة «أ» أو الدولة «ب» فى الصف الأول أو فى صف متقدم ولكن هذا يتم عن طريق اجراء قرعة لسحب اسم الدولة التى يكون لها الحق فى الجلوس بالطرف الأيمن للصف الأول... وقد جرت القرعة فى شهر يونيو الماضى وكانت الدولة الأولى هى «بوليفيا» وهو ما يعنى أن موقع مصر بقاعة الجمعية العامة سيتحرك إلى الأمام... والسبب أن الترتيب يتم وفقاً للحروف الأبجدية وبالتالى فإن الرئيس أوباما سيكون مكانه فى مؤخرة القاعة..!
وبالمناسبة استغلت الولايات المتحدة فرصة تواجد رؤساء وحكام الدول فى نيويورك وقرر الرئيس أوباما  عقد مؤتمر قمة القادة بشأن اللاجئين  حيث سيناشد الحكومات أن تتعهد بالتزامات جديدة ذات شأن فيما يتعلق باللاجئين فقط دون تناول قضايا المهاجرين.. وستعقد هذه القمة الأمريكية بنيويورك يوم 20 سبتمبر.
١٥ عاماً على١١ سبتمبر
ويجدر بالإشار أن 11 سبتمبر الجارى يوافق مرور 15 عاماً على تعرض الولايات المتحدة لأضخم حادث إرهابى وهو تدمير مركز التجارة العالمى بنيويوك والذى راح ضحيته حوالى 3 آلاف شخص من جنسيات مختلفة.... إلى جانب تعرض سكان المناطق المحيطة بالمبنى لغبار أدى إلى إصابة اعداد غفيرة منهم بالسرطان.
ومازالت أذكر هذا اليوم البشع  وكأنه حدث بالأمس حيث اننى كنت استعد للذهاب إلى الامم المتحدة.
وقد اعتدت أن استمع إلى الراديو لمعرفة أى طريق اسهل لى عند قيادة سيارتى إلى نيويورك. وهل اسلك نفق هولاند إلى الجنوب أم نفق لينكولن للشمال..؟
وفجأة أعلن المذيع أن هناك حريقا ضخما بالقرب من نفق هولاند.. وسرعان ما توقف مرة أخرى ليعلن أن الحريق بالدور الثامن بمبنى مركز التجارة العالمى وقبل مرور دقيقة كان يقول ان طائرة مدنية قد اصطدمت بالبرج الثانى للمبنى.. واتبع ذلك الإعلان عن الطائرة الثانية التى ضربت مبنى وزارة الدفاع الأمريكية والطائرة الثالثة التى سقطت فى حقل بالقرب من بنسلفانيا....
ولم يعد هناك أى شك فى أن الولايات المتحدة تتعرض لهجوم إرهابى لم يسبق له مثيل.....
آخر خطاب لأوباما
يأتى الرئيس أوباما إلى الأمم المتحدة ليلقى آخر خطاب له أمام الجمعية العامة يوم 20 سبتمبر الجارى وذلك حيث أنه سيقوم بتسليم مفاتيح البيت الأبيض بعد 4 أشهر يوم 20 يناير 2017... وكان الرئيس اوباما قد ألقى خطابا حافلاً بالآمال والمتطلعات نحو عالم يسوده السلام منذ 8 سنوات فانه من الصعب أن نتصور كيف سيضع تصوره لعالم يقف عاجزاً عن مواجهة الأرهاب والتحديات الاقتصادية.
وإذا كان خطاب أوباما منذ 8 سنوات كان الشهادة التى حصل بموجبها على جائزة نوبل للسلام فان هذه الجائزة قد اصبحت حالياً ذكرى لحلم لم يتحقق....
وعلى الرغم من أن شعبية الرئيس الامريكى مازالت نسبيا معقولة فى الأوساط الأمريكية فانه حالياً وهو يلعب فى الوقت الضائع يعانى من مواقف حرجة مع أغلب دول العالم تؤكد اجماع خبراء السياسة على أن السياسة الخارجية الأمريكية طوال السنوات الماضية كانت سياسة تردد وعدم خبرة أتاحت الفرص لأيد خفية تستهدف تدمير الدول بالالتزام بمبدأ «الفوضى الخلاقة».
وإذا كان الرئيس أوباما قد تعرض مؤخرا لمواقف حرجة خارج الولايات المتحدة وداخلها فقد كان فى مقدمتها ما جرى مؤخراً عندما ذهب الرئيس إلى الصين للمشاركة فى قمة العشرين.. حيث تأخر وضع سلم خاص ووضع البساط الأحمر على ارض المطار لاستقبال الرئيس الأمريكى بنفس الاسلوب الذى استقبل به باقى الرؤساء... وكان أن قام الرئيس الأمريكى باستخدام سلم الطوارئ الموجود ببطن الطائرة واصبح استقبال الصين للرئيس الأمريكى هو الحديث الأكبر فى جميع وسائل الإعلام الامريكية خاصة عندما نقل فيديو عن قيام أحد مرافقى الرئيس بالتحدث باستعلاء إلى أحد حراس أمن المطار الصينى فما كان من الأخير إلا أن رد عليه بقوله: «أن هذا مطار الصين.. وهذه ارض الصين».... بل تكرر الحادث بمنع سوزان رايس مستشار الأمن القومى الأمريكى من الاقتراب من موكب الرئيس ومرة ثالثة عندما رفض المسئولون عن المراسم دخول الصحفيين الأمريكيين الذين رافقوا الرئيس الأمريكى لحضور لحظات بداية انعقاد القمة الأمريكية الصينية وسمحوا لصحفى واحد فقط بدخول قاعة الاجتماع..!
ورأى الخبراء أن قضية البساط الأحمر والاستقبال هى مجرد الغطاء الذى يخفى المشاكل المعقدة التى تحيط بالعلاقات الثنائية.
وقد علق البعض على أن أوباما لم ينجح فى التقارب مع الصين على الرغم من انه  قام فى عام 2009 برفض استقبال الدالاى لاما فى واشنطون لإرضاء الصين إلا أن تلك المحاولة لم تنجح... ويرى البعض أن قيام واشنطون بنقل دائرة الاهتمام العالمى من الشرق الأوسط والخليج إلى دول شرق آسيا هو فى الواقع مواجهة مدروسة مع الصين...
وعلى الرغم من الاهتمام بحادث سطحى مثل قضية البساط الأحمر فان ما حدث فى اليوم التالى أحدث ضجة كبيرة وذلك عندما قام رئيس الفلبين والذى كان من المقرر أن يلتقى بالرئيس أوباما عند قيام الأخير برئاسة اجتماع الدول الآسيوية بعد انتهاء قمة الدول العشرين حيث ادلى الرئيس الفلبينى بحديث حول انتقاد واشنطون لسياسته فى التعامل مع تجار المخدرات والمافيا والعصابات الإرهابية اذ أن ذلك يتم بسرعة والإعدام فوراً لمن تثبت أدانته دون محاكمات طويلة حيث بلغ من تم اعدامهم فى الفلبين منذ بداية حكم رودريجو دورتيه ما يزيد على 700 شخص....
وكان رد الرئيس الفلبينى فى هذا الحديث عما سيكون رد فعله أذا أدان الرئيس الامريكى تصرف الفلبين باعتباره انتهاكا لحقوق الانسان... وقال: أننى اتولى رئاسة دولة مستقلة لم تعد مستعمرة منذ وقت طويل واخضع فقط لإرادة شعب الفلبين ولا اسمح لأى شخص مهما كان بالتدخل فى شئون بلادنا ومن الأفضل «لابن العاهرة» ويقصد بطبيعة الحال الرئيس الامريكى الا يلقى اسئلة حول هذا الأمر.
واستمر فى حديثه بإلقاء العبء على الولايات المتحدة التى نقلت المخدرات والعنف إلى بلاده.
وأحدث هذا الوصف المشين للرئيس الامريكى ضجة وكان السؤال الأول الذى وجه اليه عند انعقاد مؤتمره الصحفى ولم يعلن الرئيس أوباما أنه سيلغى اجتماعه برئيس الفلبين نتيجة تطاوله عليه وادعى أنه لم يطلع على نص الحديث ووصف الرئيس الفلبينى بأنه شخص يستخدم اسلوب الاثارة وأن موضوع اجتماعه به سيتم بعد التشاور مع مستشاريه الامريكيين الا أن الوفد الأمريكى أعلن فى مساء اليوم أن الاجتماع قد ألغى.. ... وسرعان ما أدرك رئيس الفلبين عنف وعدم لياقة استخدامه لعبارة تفتقد الحياء فى وصف الرئيس الأمريكى وأعلنت الفلبين اعتذارها الرسمى...
وكان هناك سؤال ايضاً حول وصف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للعلاقات الروسية الامريكية وقوله أنها علاقات جامدة مثلجة... وكان رد الرئيس الأمريكى بأن بوتين أقل اثارة فى استخدام تعبيرات مثل تلك التى وردت على لسان رئيس الفلبين وأكد أنه على الرغم من وجود خلافات مع موسكو حول التعامل مع الوضع السورى فان المحادثات فيما بين واشنطون وموسكو ستستمر...
وإذا كان الرئيس أوباما قد انتقد بشدة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى حيث ذهب فى شهر يونيو الماضى إلى لندن ليحرض على عدم القبول بالانسحاب من الاتحاد الأوروبى مما رفض من جانب صناع السياسة فى بريطانيا.
باعتباره تدخلا فى الشئون الداخلية لبلادهم.. فقد عاود الرئيس الأمريكي اثناء قمة العشرين فى الصين الأشارة إلي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خطأ فإن تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية رفضت التعليق علي ما ذكره الرئيس أوباما والذي جاءه عبر تصريحات البريطانيين السياسيين الرافضين لأسلوبه حيث قالوا: «انه يتحدث من موقع الباي باي.. ولايهمنا ما يقوله».
ومؤخرا أثار الرئيس الأمريكي غضب قطاع عريض من شعب الولايات المتحدة عندما أيد لاعب الكرة الأمريكي كولين كبيرنيك الذي رفض الوقوف احتراما اثناء أداء النشيد الوطني الأمريكي.
وكان اللاعب الأمريكي قد رفض الوقوف اكثر من مرة عند اداء النشيد الوطني وتحية العلم فى بدايةالمباريات التي شارك فيها  وقال انه لايستطيع أن يحيي أو يحترم نشيد أو علم دولة لاتتوافر فيها عدالة فيما بين الأجناس.. وقال الرئيس أوباما أن تصرف اللاعب الأمريكي ممارسة لحقه الدستوري في الأدلاء عن رأيه..
ورفض أغلب الأمريكيين هذا التفسير لأنه أهانه لجميع العسكريين الذين ماتوا من اجل حماية ورفعة العلم الأمريكي.. واحترام اداء النشيد الوطني والعلم الأمريكي..
وبالمناسبة لايعتبر حرق العلم الأمريكي كوسيلة للاحتجاج جريمة ولكن وضع طابع بريد يحمل صورة العلم الامريكي بالمقلوب قد يؤدي إلي عدم ارسال الخطاب أو اعادته إلي الجهة التي ارسلت الخطاب..
داج همر شولد
اشرت فى بداية اليوميات الي اسم سكرتير عام الأمم المتحدة السابق داج همر شولد ونظرا لارتباطي الوجداني باسم هذا الدبلوماسي العالمي فقد أثارت دهشتي ودهشة الكثيرين عودة المنظمة العالمية الي فتح ملف الحادث المؤلم لسقوط طائرة السكرتير العام فى  ١٧ سبتمبر من عام ١٩٦١ مما أدي إلي وفاته ووفاة مرافقيه.
وكانت الجمعية العامة قد اصدرت قرارا فى  مارس من عام ٢٠١٥ يقضي بتعيين فريق من الخبراء المستقلين لدراسة وتقييم المعلومات الخاصة باثبات وفاة داج همر شولد.
وقد جاء فى  تقرير اللجنة أن المعلومات والتحليلات اظهرت أن فرضيات معينة بشأن الاسباب المحتملة لحادث تحطم طائرة السكرتير العام تفتقر الي اسس موضوعية وأن ما تم التوصل اليه من معلومات يتطلب مواصلة التحقيق فى  وقوع هجوم جوي أو تدخل أخر أدي الي الحادث المأساوي.
وقد ركزت اللجنة فى  تحقيقها علي معلومات واستقصاء مع بعض الجهات المعنية فى  بلجيكا وبريطانيا وجنوب افريقيا والولايات المتحدة.
فهل تكشف التحقيقات بعد مرور ٥٥ عاما علي الحادث عن تورط خارجي فى مقتل سكرتير عام الأمم المتحدة السابق؟
ويجدر الاشارة ان مراسلي الصحف العالمية بالأمم المتحدة قد قاموا فى اطار تأبين همر شولد الي انشاء صندوق لتدريب شباب الصحفيين علي كيفية تغطية الاحداث العالمية بالمنظمة.. وعندما بدأت عملي لتمثيل دار أخبار اليوم بالأمم المتحدة فى اواخر السبعينيات صادف أن كنت اجلس فى قاعة تضم عدد من المخضرمين من اعلام الصحافة العالمية الذين عاصروا همر شولد.. وطلب بعضهم مني الانضمام لهم لتقييم ملفات المتقدمين للفوز بزمالة الصندوق الذي يتقدم للفوز بها حوالي ١٥٠ صحفيا كل عام..
وبعد مرور عدة سنوات طلبت المجموعة أن ارشح نفسي لرئاسة هذا الصندوق وقد فزت بانتخاب جميع المراسلين وأعيد انتخابي علي مدي ١٥ عاما.. وبالمناسبة هي مهمة شاقة وتتطلب حرصا شديدا واستطيع أن أفخر بأنني اقنعت الهيئة المشرفة علي الصندوق بضرورة أن يتم تخصيص حصة لمندوبي الدول العربية وبذلك اصبح للصحافة العربية ممثل ضمن الفائزين سنويا بالزمالة وعددهم ٤ من شباب الصحفيين.