قلم ووطن

تركيا .. بين التغير المفاجئ وتصحيح المسار

أحمد داوود أوغلو أهم مهندسي السياسة الخارجية التركية ،صاحب استراتيجية «زيرو مشاكل» مع الجوار، والجوار هنا ليس الحدوديين فقط، بل أيضاً الإقليميين في (آسيا وأوروبا وإفريقا) فضلاً عن الأكراد، فتاريخ إمبراطوريتها وحروبها أفرز العديد من المشاكل مع دول كثيرة.. فهل نجح «أوغلو» في تطبيق استراتيجيته خلال فترة توليه وزارة الخارجية التركية اعتباراً من عام 2009 مروراً بتوليه رئاسة الوزراء عام 2014 بجانب رئاسته لحزب العدالة والتنمية؟
لم تتجاوز المشكلة التاريخية التركية مع الأرمن الزيارات البروتوكولية وحضور مباريات كرة القدم بين فريقي الدولتين بجانب المجاملات الدبلوماسية وتلميحات الاعتذار المتردد لـ»الأرمن» عن جرائم الدولة العثمانية المرتكبة ضد شعبهم.
وما زالت قضية قبرص مشتعلة مع جارتها اليونان فضلاً عن عدم محاولتها تقديم أي حلول أو تنازلات نحو إقرارها بحقوق اليونان في مناطق وجودهم التاريخي في غربي الأناضول وسواحل بحر ايجة.
كما نجد استمرار حكومة العدالة والتنمية في دعم الجاليات التركية في بلغاريا ودول البلقان، والتصعيد المستمر بشأن حقوقهم الثقافية في تلك البلاد من خلال أطر سياسية ومذهبية في محاولة للاستفادة منهم كورقة تستخدم اوربيًا.
أما عربياً فحدٍّث ولا حرج، فلا دعم حقيقيًا للقضية الفلسطينية سوي الشعارات الرنانة والإجراءات الاستعراضية والإعلامية من خلال فعاليات نشطاء المجتمع المدني، ولكن ليس هناك دور تركي حقيقي لصالح فلسطين حتي خلال الحروب الإسرائيلية علي غزة سوي قافلة الحرية الأولي والأخيرة التي توقفت أمام نيران القوات الإسرائيلية، في الوقت الذي زاد فيه الجمود التركي الإسرائيلي في العلاقات الدبلوماسية رغم قوتها السابقة.. وعلي صعيد آخر وربما الأهم نجد تبني تركيا ومعها قطر المشروع الإسلامي السياسي في الوطن العربي برئاسة «الإخوان المسلمون»، مما وتر علاقتها بشدة مع مصر والسعودية.. لتزيد الطين بلة بتوسيع الفجوة الطائفية في سوريا في محاولة لجذب القطر السعودي استناداً علي عدائهم ضد العلويين والشيعة، مما يؤثر بشدة علي علاقتها بجارتها السورية التي باتت معها في سنوات عسل سابقة بعد تفعيل اتفاقية «أضنا» عام 1998 التي تضمن خطة عمل ضد مساعي الأكراد للتحرر علي جانبي الحدود بين البلدين، فيتعاظم حجم المشاكل التركية/العربية.
أما داخليا فلم تقم بخطوات عملية لحل المسألة الكردية بل اهتمت بتخلي المقاتلين الأكراد عن سلاحهم، واعتبار قضيتهم مسألة أمنية تتولاها أجهزة مخابراتها ارتباطاً باتفاقية «أضنا» مع سوريا التي أشرت لها سابقاً.
وتزداد العلاقات التركية العربية سوءاً مع وجود تنظيم «داعش»، وما تردد بل قدمت به براهين عن تخاذل الحكومة التركية أمام جرائم التنظيم خاصة بعد احتلاله مدينة «تل عفر» وحصاره لبلدة «آمرلي» التركمانيتين، لتزداد الأقاويل بشأن دعم تركيا للتنظيم خاصةً مع فضائح ميناء جيهان وتحويل داعش لبترول العراق علي مرساه، بجانب آلاف من مروا من تركيا بعلمها لينضموا إلي داعش مما يدل علي تعاون منظم مع الجهاديين في سوريا والعراق.
التغير في الموقف التركي
تعرضت تركيا في الفترة الأخيرة لهجمات إرهابية كردية وأخري أشيع عنها انها داعشية، بجانب تراكم المشاكل التركية الخارجية لتكون بالعشرات وزيادة الضغوط الداخلية، لتجد نفسها في نفق مظلم لا يمكن تصور عواقب الاستمرار فيه.. لتطلع علينا اليوم بتصريحات سياسية تشير لمحاولات عودة علاقاتها مع روسيا وإسرائيل وأخري تخص مصر بشأن موقفها من قضية الرئيس المصري الأسبق «محمد مرسي»، التي اعتبرها البعض مفاجأة نظراً لكونها تتضمن تنازلات كبيرة لم تعتدها من قبل.. وإن كنت في الحقيقة لا أراها مفاجئة بل إنها محاولات متأخرة لتصحيح المسار الاستراتيجي المفقود «زيرو مشاكل»، الذي برغم ما قد تحققه في هذا المسار، إلا أنها ربما لن تمكن تركيا من تحقيق الاستقرار السياسي والأمني المأمول إلا بعد القضاء التام علي داعش والتخلي التام عن دعم الإخوان، وفرض موقف سياسي واضح نحو القضية الفلسطينية وإسرائيل، وتحديد موقفها الحقيقي تجاه روسيا مقابل التزاماتها تجاه حلف الناتو والاتحاد الأوربي رغم عدم عضويتها فيه، ووضع صيغة نهائية بشأن القضية القبرصية والأرمن والجاليات التركية بالبلقان.. ويتطلب ما سبق تنازلات كبيرة وسنوات طويلة قد لا يتمكن حزب سياسي طائفي مثل «العدالة والتنمية» من تحقيقها في ظل وجود سياسي متعجرف مثل الرئيس التركي «أردوجان».