ما بين الإبداع والمسؤولية أحيانا يعاني القلم، فدائما يحاول أن يتجه لكتابة روائع إبداعية ولكن سرعان ما يفاجئ، وبوقوفه على أوراق رسمية لا يمتلك حريته في الكتابة عليها.

 

يستمر في عمله دون تقصير ولكنه ينتظر اللحظة التي يعود فيها إلى أوراقه المفضلة، أو حتى إلى لحظات يستطيع فيها أن يسرق خطوات إبداعية بعيدة عن المسؤوليات الإدارية ومشكلاتها .

 

فقد عانى د.محمد عفيفي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، كمبدع معاناة كبيرة، عقب مفاجأته باختياره أمينا عاما للمجلس، حيث كان قد أوشك على إنهاء عملا تأريخيا وإبداعيا رائعا ولكن جاء المجلس ليوقف هذا ما يقارب سنة .

 

المؤرخ يعاني أمام الأمين العام قال د.محمد عفيفي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، إن عفيفي المثقف والمؤرخ يعاني أمام الأمين العام، " زعلان من نفسي، لأن الفترة الماضية كانت فترة صعبة ولم يكن لدي الوقت للقراءة الجادة، ولدي مشاريع للكتابة، فقد كنت أنهي كتابا عن تاريخ شبرا، ولم يبقى على النهاية سوى عشر صفحات، متصورا أن هذا الكتاب سيغير الكثير من الأفكار، ويثبت أن من دراسة حي صغير يمكن أن ندرس تاريخ مصر كله، ومعرفة تاريخ القاهرة والأجيال المتتالية، كما أن شبرا هي أكبر مثال على التسامح بين الأديان والأجناس.

 

واستعرض عفيفي ما يحمله الكتاب في طياته من توثيق للأصول والعادات والمعاملات، وطبيعة النفوس البشرية المتسامحة بحي شبرا، الذي استوعب مجموعة كبيرة من أجناس مختلفة من الأجانب "إيطاليين وفرنسيين وأرمن، ويونانيين"، كما أن ذلك بطبيعته جعلها أيضا تستوعب كل الأديان "مسيحيين، مسلمين، يهود".

 

شبرا والأقباط

وأشار، إلى سبب استيعاب شبرا لعدد كبير من الأخوة الأقباط حيث أن التواجد القبطي بالمنطقة كان كبير جدا من قبل الإسلام، كما أن الأقباط أول النازحين لشبرا من الأقاليم في القرن التاسع عشر والعشرين، حيث كان أكبر حي قبطي بمنطقة الأزبكية والفجالة وزاد بتلك المنطقة عدد الأقباط بشكل كبير فبدأ التوسع يحدث تجاه شبرا ولذلك التركز القبطي في منطقة أول شبرا، ويقل بعد خلوصي لأن تلك المنطقة تم استحداثها في فترات أخرى، لأن وقتها كانت هناك هجرات عديدة من المنوفية، والدلتا، كما أن العاملين بالسكة الحديد والبريد أغلبهم كانوا أقباط، لذلك كانوا يسكنون بشبرا لقربها من محل عملهم .

 

وأكد أن دراسته البحثية قبل البدء في عمل كتابه أكدت على ما يتردد حول انتماء أغلب الفنانين والمثقفين إلى حي شبرا، وعلى سبيل المثال صلاح جاهين أصوله من شبرا وجده، الكاتب الصحفي "أحمد حلمي"، حيث كان من كبار الصحفيين المناضلين أيام الخديوي، وسجن في قضية رأي وقتها، وبعد خروجه، اشترى أرض في شبرا وقام ببنائها وعاش هناك هو وعائلته، وبعد ذلك سمي شارع أحمد حلمي على اسمه، كما أن جمال حمدان والكثيرين من الفنانين والمخرجين أصولهم شبرا .

 

شبرا الأثر القديم

وأضاف عفيفي، أنه استعرض في كتابه أيضا الأماكن التي كانت لها آثرا قديما وحملت شهرة كبيرة منها ما هو موجود حتى الآن ومنها ما تلاشى مع السنين ومن ضمن تلك الأماكن وجود استديو تصوير سينمائي كبير في فترة الخمسينات، بالإضافة إلى العديد من دور السينما الكبيرة، ومسجد الخازندارا، وكلية الهندسة الحالية والتي يرجع أصلها في الثلاثينات إلى "المدرسة الإيطالية"، والتي تم إنشائها لوجود جالية إيطالية في تلك المنطقة وقتها وكان من ضمنهم الفنانة الراحلة داليدا والتي سكنت شارع الخمراوية، ولكن أثناء الحرب العالمية الثانية انجلترا استولت على المدرسة ونقلت كلية فيكتوريا من إسكندرية إلى مكان المدرسة، وبعد هدوء حالة الحرب، عادت كلية فيكتوريا إلى الإسكندرية مرة أخرى، وأصبح مقر المدرسة الإيطالية، "كلية للآداب تابعة لجامعة عين شمس"، وتخرج منها العديد من المبدعين أمثال "رءوف عباس ويونان لبيب"، إلى أن انتقلت الكلية إلى العباسية وتحول المكان إلى معهد صناعي ثم إلى كلية الهندسة الموجودة حاليا .

 

ولم تكن كل تلك المفاجئات فقط هي ما يحملها كتاب عفيفي عن تاريخ شبرا، ولكن قد شرع لعمل ملحق بالكتاب يحمل ذكريات كل مبدعي شبرا ومحبيها والذي طلب منهم أن يقدموا له تلك الذكريات فيما يقارب صفحتين، لكي يتم توثيقها وإرفاقها بالعمل .