«الناس يكرهونك».. الرسالة القاسية التي قد تعيد رسم خريطة السياسة الفرنسية

 إيمانويل ماكرون
إيمانويل ماكرون

في لحظة صادمة كشفت عمق الأزمة السياسية في فرنسا، وجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه وجهاً لوجه مع حقيقة قاسية: "الناس يكرهونك". هذه الكلمات البسيطة، التي نقلها أحد النواب السابقين من حزب ماكرون نفسه، لخصت حالة الغضب والاستياء المتصاعدة في الشارع الفرنسي. 

والآن، مع انطلاق الانتخابات البرلمانية التي دعا إليها ماكرون، تبدو هذه الرسالة القاسية وكأنها نذير بتحول دراماتيكي قد يعيد تشكيل المشهد السياسي الفرنسي برمته.

اقرأ أيضًا: الرئيس الفرنسي يدلي بصوته في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية

صعود مذهل لليمين المتطرف: هل ينتهي حقبة ماكرون؟

تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم مذهل لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، وبحسب ما أوردته الجارديان، فإن هذا الحزب قد يحصد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد، متفوقاً على تحالف اليسار وحزب ماكرون الوسطي. 

هذا التحول في المشهد السياسي الفرنسي لا يضع فقط مستقبل ماكرون السياسي على المحك، بل يهدد بإحداث زلزال سياسي قد يغير وجه فرنسا وسياساتها لسنوات قادمة.
ويشير محللون سياسيون إلى أن صعود اليمين المتطرف يعكس حالة من الاستياء العميق بين شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، إذ نجحت مارين لوبان في تقديم حزبها كبديل جذاب للناخبين المحبطين من السياسات التقليدية، مستفيدة من مخاوف البعض بشأن الهجرة والأمن والهوية الوطنية.

إستراتيجية التخويف ترتد عكسيًا

في محاولة يائسة لاستعادة زمام المبادرة، لجأ ماكرون إلى لغة تحذيرية حادة، إذ نقلت الجارديان عن الرئيس الفرنسي تحذيره من خطر نشوب "حرب أهلية" في حال فوز اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف بالانتخابات. 

وأضاف ماكرون، خلال قمة أوروبية في بروكسل، أن "العنصرية ومعاداة السامية غير المقيدة" قد انطلقت في فرنسا.

لكن هذه الاستراتيجية القائمة على إثارة الخوف قد ارتدت عكسياً على ماكرون، إذ أشارت الجارديان إلى أن العديد من الناخبين، حتى من بين مؤيدي ماكرون السابقين، يرون أن الرئيس نفسه هو من خلق حالة من الفوضى السياسية بدعوته لهذه الانتخابات المبكرة. وبدلاً من تقديم نفسه كضامن للاستقرار، بدا ماكرون وكأنه يساهم في تأجيج التوترات السياسية.

من «منقذ فرنسا» إلى «عدو الشعب»

يبدو أن شعبية ماكرون تشهد انهياراً حاداً، حتى بين من كانوا يعتبرونه "منقذاً" لفرنسا قبل سنوات قليلة، وتنقل الجارديان عن خبراء قولهم إن العديد من الناخبين الذين دعموا ماكرون سابقاً، خاصة من يسار الوسط، يشعرون بخيبة أمل عميقة من أدائه. 

وقد ساهمت قرارات مثيرة للجدل، مثل رفع سن التقاعد وتشديد قوانين الهجرة، في تعميق هذا الشعور بالاستياء.

وفي مؤشر صارخ على تراجع شعبيته، كشفت الجارديان أن بعض المرشحين من حزب ماكرون يتجنبون وضع اسمه أو صورته على ملصقاتهم الانتخابية. 

بل إن أحد النواب السابقين من حزب ماكرون نقل للرئيس رسالة قاسية من الشارع الفرنسي مفادها: "الناس يكرهونك".

سيناريوهات ما بعد الانتخابات

تشير التحليلات السياسية، وفقاً لما نقلته صحيفة الجارديان، إلى أن فرنسا تدخل مرحلة غير مسبوقة من عدم اليقين السياسي، فالسيناريوهات المحتملة لما بعد الانتخابات كلها تنذر بفترة من عدم الاستقرار السياسي، مما يجعل البلاد وكأنها تدخل نفقاً مظلماً لا يُعرف مداه.

أحد السيناريوهات المطروحة بقوة هو فوز اليمين المتطرف بأغلبية مطلقة في البرلمان. في هذه الحالة، قد نشهد حدثاً تاريخياً غير مسبوق يتمثل في تشكيل أول حكومة يمينية متطرفة في تاريخ فرنسا الحديث، مثل هذا التطور سيجبر ماكرون على الدخول في نظام "التعايش" السياسي، حيث سيضطر لتقاسم السلطة مع حكومة من لون سياسي مغاير تماماً لتوجهاته.

السيناريو الثاني، هو احتمال ظهور برلمان معلق، فإذا لم يتمكن أي حزب من الحصول على أغلبية مطلقة، قد تجد فرنسا نفسها أمام وضع صعب للغاية. 

برلمان منقسم بشدة قد يكون غير قادر على تشكيل حكومة مستقرة، مما قد يؤدي إلى حالة من الشلل السياسي تعيق عمل مؤسسات الدولة وتعطل اتخاذ القرارات الهامة.

أما السيناريو الثالث، فيتمثل في احتمال ظهور تحالفات سياسية غير متوقعة وغير تقليدية، في محاولة لتجاوز حالة الانسداد السياسي، قد نشهد مساعي حثيثة لتشكيل ائتلافات حكومية تجمع بين أطراف كانت متناحرة في السابق. لكن مثل هذه التحالفات، إن تحققت، قد تكون هشة بطبيعتها وقد تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار على المدى الطويل.