شهادات حية من المعتصمين: «قلم» المثقفين على وجه «الإخوان»

ثورة 30 يونيو
ثورة 30 يونيو

من اعتصام الكتاب والمبدعين والفنانين فى وزارة الثقافة اعتراضًا على محاولات «الجماعة» السيطرة عليهم وتجميدهم، انطلقت ثورة 30 يونيو كعلامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، لتظهر المعدن الحقيقى للمصريين الذين رفضوا الخضوع لجماعة الإخوان الإرهابية.. وفى هذه الذكرى الثورية ننشر شهادات حية شكلت «البذرة» الأولى فى مد ثورى أطاح بالحُكم الفاشى.

  د. أحمد مجاهد: اعتصامنا كان تمهيداً لثورة 30 يونيو 

 صبحى موسى: خرجنا من شارع شجرة الدر بـ «القباقيب» 

الناقد الكبير د. أحمد مجاهد، رئيس هيئة الكتاب السابق، أحد المشاركين فى اعتصامات وزارة الثقافة فى 2013 يقول: عند الحديث عن دور المثقفين فى الثورة علينا أن ندرك أن وصف «المثقف» فضفاض يضم الطبيب والمهندس وغيرهما ممن لديهم تكوين مميز يسمح لهم بممارسة الوعى النقدي خارج مهنتهم، فى مقابل صناع الثقافة ممن يعملون فى المجالات المتعلقة بالآداب والفنون.

ويضيف: وعند الحديث عن صناع الثقافة علينا أن نفرق مرة أخرى بين الذين يحترفون هذه المهن الثقافية بوصفها مجرد إبداع أو (أكل عيش)، وبين الذين يدركون أنهم يمثلون قوة ناعمة مسئولة عن تشكيل وعي المجتمع وتنويره؛ وهذه الفئة الأخيرة تحديدا هى التى بدأت شرارة اعتصام المثقفين فى 30 يونيو، عندما أحست بتهديد هوية الوطن، وبحتمية تجاوز دورها الفنى الخالص إلى ساحة المواجهة الاجتماعية والسياسية الواجبة عليها فى اللحظات المفصلية من تاريخ الوطن؛ ولا أعتقد أن دورا كهذا قد برز للمثقفين المصريين فى التاريخ الحديث، سوى فى استنهاض الوطن من هزيمة 1967، وصولا إلى انتصار أكتوبر 1973.

ويشير د.مجاهد إلى أنه عندما بدأ المثقفون اعتصامهم ضد وزير ثقافة الإخوان لم يكونوا متأكدين من نجاح المهمة، ومن قوة وتبعات رد الفعل السياسي والأمني تجاه الاعتصام والمعتصمين، لكنها كانت مجازفة لا بد منها في سبيل الوطن؛ ولأن المثقف الحقيقي لا يقوم بتوجيه الجماهير بقدر قيامه باستشراف ما يريدون هم القيام به بالفعل، فإن حجم الاعتصام ومساحة التعاطف معه أخذت في التزايد يوما بعد يوم، وارتفع سقف المطالب من إقالة وزير ثقافة الإخوان إلى إقالة الحكومة بالكامل.

ويتابع: كانت رغبة شعب، شجعه مثقفوه على الجهر بها، وقد أخذت دائرة الغضب في الاتساع لتضم وزارات ومحافظات أخرى عديدة بأماكن متفرقة؛ عند هذه النقطة تحديدا، لم تعد المطالبة برحيل الإخوان مجرد وجهة نظر مثقف، بل رغبة شعب؛ ولا يمكن للرغبة أن تنجح ما لم تدعمها قوة قادرة على تنفيذها، وهنا يبرز بقوة الدور التاريخى للرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى قاد بشجاعة بالغة خطة تحويل الرغبة الشعبية إلى واقع سياسي، والتى أسفرت عن رحيل الإخوان.

 ضد التنوير 

يقول الروائى صبحى موسى، المدير الأسبق لإدارة النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة: كنا وما زلنا مؤمنين بأن دولة الإخوان كانت ضد معتقداتنا الثقافية فى الحرية والتنوير والديمقراطية، ومن ثم فما أن سمعنا بدخول عدد من المثقفين إلى مقر الوزارة، حتى تركنا ما فى أيدينا وذهبنا لتعضيدهم، كان مشهدًا جديدًا على الجميع، فلأول مرة يقرر المثقفون احتلال مقر وزارتهم، مشكلين عدة لجانٍ لإدارة الاعتصام، كان بينها لجان التغذية والمبيت والحراسة والإعلام وغيرها، وتم تقسيم الأمر على الجميع.

عن نفسى كنت راغباً فى أن أكون جنديا مجهولا، لم أرغب فى قيادة ولا ظهور إعلامى، كنت أشعر أن مثل هذه الأفكار تدنس المقصد الذى خرجنا من أجله، وكنت غير راغب فى الاقتراب من المسئولين الذين أطاح بهم علاء عبد العزيز من مناصبهم، كى لا يُقال إننا خرجنا نصرة لأصدقاء أو خدمة لآخرين، خرجنا من أجل الدفاع عن الدولة المصرية، وسعيًا لإنقاذها من بئر الظلام التى سقطت فيها.

ويُتابع صبحى موسى: على منضدةٍ واحدةٍ كنا نجلس لنفكر فيما سيحدث، وفى كل ليلة كان الرعب يجتاحنا من فكرة مهاجمة الإخوان لنا، قيل فى ليلة إن أحمد المغير أتى برجال معه لطردنا من المقر، وفى ليلة قيل إن صلاح أبو إسماعيل قادم برجال له، وفى ليلة ثالثة قيل كلام ثالث، هكذا أمضينا الليلات الأولى متوقعين الخطر فى أى لحظة وبأى شكل، لكن فى النهار وأمام مقر الوزارة كانت مصر التى لا يعرفها الكثيرون تظهر بجلاء، فلأول مرة تقدم عروض أوبرا وموسيقى وشعر وغناء ومسرح، وحرص الناشر محمد هاشم والشاعر زين العابدين فؤاد وغيرهما من المسئولين عن اللجنة الفنية على إبلاغ رسالة مهمة للجميع، أن عصر الظلام انتهى ومصر البهية عائدة لا محالة، تجمع الكل حول المقر يرقصون ويغنون ويبهرون الجميع بالفن والثقافة، وتسامح سكان الزمالك من أجل الثورة فى جانب من الهدوء الذى اعتادوا عليه، الكل كان رافضًا للظلام، ولم يكن الاعتصام مجرد مبيت أو احتلال لمكان، لكنه فرصة لتجريب القدرة على التنوير، واختبار رغبة المصريين فى الانتصار للنور على الظلام.

 بالقباقيب! 

ويُضيف صبحى: من جانبنا كمعتصمين التزمنا بمنضدة الاجتماعات وغرفة الاستقبال والهول الواسع والسلم الرخامى والحديقة، لم نفكر فى الصعود إلى الدور الثانى، ولا اقتحام مكتب الوزير أو حتى دخول غرفة السكرتارية، وأكدنا للجميع أننا لسنا ضد أن يقوم الموظفون بأعمالهم، وأن هذا الاعتصام ليس إلا بداية لثورة ثقافية ضد الظلام، خاصة أننا جميعا كنا ندعم حركة تمرد.

تيارات كثيرة وكبيرة جاءت لنيل بركة الاعتصام، رؤساء مختلف الأحزاب والتيارات السياسية، وكل تعامل معه الشباب حسب منزلته لديهم، فهناك من تمت السخرية منهم، وهناك من تم استقباله بحفاوة لم يتوقعها، لكن كل ليلة كان ثمة زائر كبير وممثلون تابعون له، حتى إن الاعتصام تحول فيما بعد إلى مولد كبير، وخرج المثقفون منه إلى ميدان التحرير ظهيرة يوم 30 يونيو وهم يضربون القباقيب ببعضها بعضا، لا أعرف مَن صاحب الفكرة، ولا مَن موَّلها، لكنها كفكرةٍ جاءت من اسم الشارع «شجرة الدر»، حيث ماتت شجرة الدر بالقباقيب، وهكذا استخدم المثقفون القبقاب رمزًا لرغبتهم فى قتل الإخوان وأشياعهم ثقافيا، وعلى النحو الذى ماتت به شجرة الدر.