جثث ملقاة فى الشوارع وسيارات تحترق بمن داخلها .. ماذا يحدث فى فرنسا؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مني ربيع

 أصوات رصاص تخترق صمت الظلام جثث ملقاة فى الشوارع.. سيارات تحترق بمن فى داخلها.. مقاطعات بأكملها تنشر عشرات الضباط فى الشوارع من أجل السيطرة على جرائم القتل التى تتم من أجل المخدرات والانتقام، حيث أصبحت صداعًا فى رأس فرنسا وباتت سمة أساسية فى شوارع باريس.

‎تعانى فرنسا حاليًا من حروب العصابات المنتشرة فى عدة مدن، خاصة مرسيليا ثانى أكبر المدن، والشتى تتخذ من القتل منهجًا بهدف السيطرة على النفوذ داخل مناطق بيع المواد المخدرة، أو استخدام القتل بهدف تصفية الحسابات، وخلال الأيام الأخيرة انتشرت تلك الجرائم التى لا يعرف مرتكبوها فى عدة أماكن.

‎بجوار الميناء القديم فى منطقة تسمى حى الكرمس بمرسيليا عثرت الشرطة على جثة مهرب مخدرات يبلغ من العمر 20 عاما ليلة السبت 22 يونيو داخل سيارته، مصابا بعدة طلقات من عيار 9 ملم، وأكد مكتب المدعى العام أن الضحية معروف بانتهاكه لتشريعات المخدرات وعثر على جثته بجوار نقطة كان يتم خلالها تبادل صفقة لبيع المخدرات.

‎ويعد 2023 هو العام الذى وصفوه بـ الدموى فى مدينة مرسيليا بارتكاب 49 جريمة قتل مرتبطة بحرب السيطرة على منافذ بيع المخدرات، والذى يعتبر رقما قياسيا قاتما وواقعا رهيبا فى مدينة ازدهرت فيها تجارة المخدرات منذ عقود، وتبين أن غالبية الجرائم يرتكبها على الأغلب صغار السن بين 18 و21 عاما . 

‎قبلها بأيام قُتل رجل يبلغ من العمر 36 عاما بالرصاص فى مرسيليا أيضا بمنطقة بونت دى فيفو، وبحسب وسائل الإعلام الفرنسية فإن الضحية كان معروفا بالفعل بسجل سيئ لدى الشرطة وسجن فى عام 2019 بتهمة تهريب المخدرات، وفور خروجه منع من الذهاب إلى مناطق معينة فى مرسيليا. 

‎بعد وقت قصير من العثور على جثته ملقاة فى الشوارع عثرت الشرطة على سيارة محترقة بالكامل فى نفس المكان ورجحت السلطات أنها قد تكون تابعة له، ووفقا للشرطة فقد تعرض لعدة طلقات نارية اخترقت رأسه وبطنه وساقه، كانت السبب فى إنهاء حياته، وتقوم الشرطة الاتحادية بالتحقيق فى الأمر بهدف التوصل إلى الجانى.

‎وتعد تلك الجريمة هى السادسة فى المدينة خلال أسابيع، وكانت السلطات الفرنسية من أجل مواجهة تلك الجرائم المتزايدة أطلقت سلسلة من العمليات التى نفذها عشرات الضباط، فى ما وصفوه بالشبكة المربعة بدعم من فرق المداهمة « الأمن المركزى»، فى شوارع المدينة وكان من أبرز العمليات تفكيك شبكة رئيسية للإتجار فى المخدرات.

‎الكحول والمخدرات

‎وفى منطقة ليست ببعيدة تسمى مقاطعة إندر وهو إقليم فرنسى يقع فى وسط فرنسا، تم ارتكاب سلسلة من جرائم القتل خلال 6 أسابيع فقط، وهو ما دفع عمدة المدينة لاتخاذ العديد من الإجراءات لوقف أسبابها والتى أرجعتها وسائل الإعلام إلى بيع المخدرات والمشروبات الكحولية.

‎الجرائم الأربعة التى ارتكبت قتل خلالها شباب أقل من 30 عاما، وتم ربطها إلى عمليات تهريب المخدرات ، اثنين منها ارتكباعلى الطريق العام، وفى محاولة لإعادة الهدوء مرة أخرى إلى المنطقة أعلنت المقاطعة عن إجراءات مشتركة كان من أهمها حظر بيع  مشروبات كحولية فى أماكن البيع من التاسعة مساء إلى السابعة صباحا.

‎كما أمر عمدة المدينة بمنع التجمعات و نشر عشرات الضباط فى الشوارع بجانب وصول تعزيزات من باريس، وأكد أن المنشآت الليلية تتحمل نصيبا كبيرا من الأحداث، ولفت إلى أن هناك 3 أمور تقع فى قلب المشكلة التى تتعرض لها المدينة وهى مستويات الكحول العالية والحشود الكثيرة فى الشوارع بجانب استهلاك وبيع المخدرات بصورة كبيرة.

‎وأشار المسؤول فى تصريحاته إلى أن الموقف يتدهور بسبب أن الشباب المدمنين على الكحول يجدون أنفسهم فى الشارع فى ولايات من الدرجة الثانية، والانتشار الكبير للأسلحة يجعل الجرائم سهلة الحدوث، معلنا أن مرتكبو الجرائم لم يتم الكشف عن هويتهم بعد ولكن القضاء يأخذ مجراه.

‎وضع صعب 

‎ولم يكن الرئيس الفرنسى ببعيد عن الأحداث حيث قام بنفسه بعمل عدة جولات على المدن التى انتشرت فيها جرائم القتل وأكد فى تصريحاته أن السلطة التنفيذية تبذل كل ما فى وسعها لتشديد التشريعات المتعلقة بالإتجار بالمخدرات واستهلاكها، وتبذل المحاكم الخاصة جهودًا كبيرة بهدف تبسيط الإجراءات الجنائية، بهدف سرعة صدور أحكام على الجناة.

‎ولكن من جهة أخرى تعانى فرنسا وفقا لأحدث تقرير من اكتظاظ السجون الذى يجعل بحسب وسائل الإعلام الإفراج المشروط أمرًا لا مفر منه، مما يجعل دوامة القتل أمرا لا مفر منه واستمرار عودة تجار المخدرات للشوارع بات عرضًا مستمرًا، حيث تبلغ كثافة السجون الإجمالية فى فرنسا 123%.

‎ويوجد فى فرنسا 60 ألف مكان للأفراد فقط داخل السجون، فى حين بلغ عدد السجناء 77647 شخصًا وهو ما يعطى كثافة إجمالية للسجون تبلغ 122.8%، مقارنة بـ 118.7% قبل عام.

‎خيارات محدودة

‎وعلى الرغم من ذلك أكد عدة مسؤولين لوسائل الإعلام أن عمليات تصفية الحسابات فى طريقها إلى الجفاف لعدم وجود أيادى جديدة داخل العصابات المتنافسة خاصة تلك التابعة لعصابتى «يودا» و «دى زى مافيا» ، والتى قُتل أو القى القبض على العديد من أعضائها، وهم الآن وراء القضبان.

‎وتعليقا على تلك الجرائم التى انتشرت بشكل متزايد تدخلت نقابة الشرطة الفرنسية وأصدرت بيانا لتوضح من خلالها الأسباب التى تراها دافعا وراء تزايد الجرائم والعنف فى المجتمع، حيث أكدت فى بيانها الذي نشرته وسائل الإعلام الفرنسية أن الإنحراف مستمر فى اكتساب المزيد من الأرض فى شوارع فرنسا.

‎وأكدت نقابة الشرطة أن الحقائق المتنوعة فى تلك الجرائم تثبت أن ما يقوله ضباط الشرطة الميدانيين على حق، والذى دائما ما يقولون خلال ملاحقتهم اليومية أن المجتمع أصبح أكثر عنفًا، وخلال البيان وجهت النقابة رسالة شديدة اللهجة للمسئولين المحليين المنتخبين، بجانب المواطنين الفرنسيين الذين سمتهم بالوطنيين.

‎وشددت النقابة على أنهم أمامهم خيارات محدودة وليس أمامهم منها سوى خيارين فقط وهما إما أن يساعدوا الشرطة فى استعادة التراب الفرنسى وزيادة أعدادهم أو أن يكونوا مسؤولين ومتواطئين فى هذا الانجراف من خلال تقاعسهم عن العمل.

اقرأ أيضا : حصاد الليالي المرعبة في فرنسا بعد مقتل مراهق من أصل جزائري على يد الشرطة

;