المياه الجوفية ثروة تهددها الآبار العشوائية

المياه الجوفية ثروة تهددها الآبار العشوائية| من الفرافرة إلى سيوة.. استراتيجيات لضمان استدامة الموارد المائية

د.ضياء القوصى - د. أحمد دياب
د.ضياء القوصى - د. أحمد دياب

شراقى: المخزون الجوفى فى سيوة غير متجدد

فى قلب الصحراء الغربية الشاسعة، تتمايل الرمال على إيقاع الزمن، ترقد واحة سيوة، ملاذ الحياة وسط الأرض اليباب، النخيل يرفع رؤوسه شامخًا، والمياه تنساب بين الأودية، تروى قصة صراع بيئى عتيد، وزارة الرى ومجلس النواب يسعيان لوضع الضوابط المتناسقة مع الرؤية الجديدة لإنقاذ هذا الكنز الطبيعى من براثن الملوحة التى تهدد بابتلاعه.

تتجلى التحديات الفنية والتشريعية كجبال شاهقة تعترض طريق النجاة، فالمحاولات السابقة، مع كل ما حملته من أمل، لم تكلل بالنجاح المأمول، الآبار العشوائية، كالجراد الجائع، استمرت فى التهام قلب الواحة، تاركةً وراءها أرضًا مالحة ومياهًا مرتفعة الأملاح، مما أفضى إلى تراجع الزراعة.. منذ عام 1996، تقود وزارة الرى معركة شرسة ضد هذا العدو الخفى، مسلحة بالعزم والوعود الرسمية، تسعى جاهدة لتنظيم استخدام المياه الجوفية وإيقاف الأيدى العابثة التى تنهب خيرات الأرض دون وجه حق.

حفر الآبار العشوائية من أبرز المشكلات التى تواجه الحكومة فى مجال استدامة المياه والري، حيث تتسبب هذه الآبار فى تناقص مستوى المياه الجوفية، وتهدد الرقعة الزراعية والبيئية.

وفى ظل التحديات المائية المتزايدة، خاصة مع ارتفاع وتيرة التغيرات المناخية، تبرز معضلة الآبار العشوائية من الفرافرة إلى سيوة كعقبة رئيسية أمام الأمن المائى والتنمية المستدامة.

د. محمد نصر الدين علام، وزير الرى والموارد المائية الأسبق، ناقش فى تصريحات خاصة للأخبار هذه القضية، مؤكدًا على الحاجة الملحة لتطبيق القوانين الرادعة للحد من تفاقم هذه المشكلة.

وقال إنه فى ظل التحديات المائية التى تواجهها مصر، سواء بسبب التغيرات المناخية أو أزمة سد النهضة وغيرها من المتغيرات الإقليمية، تبرز قضية الآبار العشوائية كأحد أبرز العقبات أمام تحقيق الأمن المائى والتنمية المستدامة، وأكد على أهمية تطبيق القانون القديم الذى ينظم ضبط الآبار العشوائية ويحد من تفاقم المشكلة.

الضبطية والتنمية

شدد د. علام على أن مكافحة الآبار العشوائية يجب أن تكون ضمن أولويات الدولة، مع التركيز على ضرورة دعم المشاريع التنموية التى تساهم فى هذا الاتجاه، موضحا أنه يجب أن تكون عملية حفر الآبار متسقة مع المشاريع التنموية التى تقودها الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص، ما يؤدى إلى الاستفادة القصوى من المخزون الجوفى وبطريقة علمية مدروسة مما يعود على المواطن بالفائدة، أما فى حالة حفر الآبار العشوائية فإنها تؤدى فى نهاية المطاف إلى ملوحة التربة وقد تصل إلى تبوير الأرض.

وأوضح أن عملية حفر الآبار مكلفة للغاية، وأن التزام المواطنين بتعليمات وزارة الرى سيوفر عليها الكثير من الأموال، حيث يساهم فى زيادة إنتاجية المحاصيل، وأشار إلى أنه مع تطبيق القانون بشكل صارم، سيكون على المواطنين الالتزام بالحصول على التصاريح اللازمة واتباع الإجراءات الآمنة، مما يساهم فى حماية الموارد المائية.

اقرأ أيضا| الري: إثيوبيا تحاول الحصول على موافقة دولتي المصب للتحكم في النيل الأزرق

ويُبرز د. علام الفروق بين الآبار فى الدلتا، التى تتميز بتجددها، وآبار منطقة سيوة، التى تعانى من مشاكل أكبر بسبب عدم تجددها، الأمر الذى يدعو إلى بذل مزيد من الجهود اللازمة لضبط عملية حفر الآبار العشوائية للحفاظ على المخزون الجوفى.

وحذر وزير الرى الأسبق من أن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية غير المتجددة قد يؤدى إلى تداعيات بيئية واقتصادية خطيرة، بما فى ذلك انخفاض مستويات المياه الجوفية وتدهور جودتها.

وشدد على أهمية إدارة هذه الموارد بحكمة وعناية لضمان توفرها للمستقبل، وفرض القيود وعمل ضبطيات مستمرة على الآبار العشوائية للحفاظ على التوازن بين الاستخراج والتجديد حيث إنه يُعد ضروريًا للحفاظ على ديمومة المياه الجوفية كمورد حيوي.

ضوابط الاستدامة

يؤكد د. علام على أنه حتى زراعة الأرز، وهو من المحاصيل الرئيسية، تخضع لضوابط صارمة لضمان استدامة الموارد المائية ويجب تشجيع المهندسين وصرف الحوافز اللازمة لهم لضمان مشاركتهم الفعالة فى حملات الضبط والتنظيم.

وأشار إلى أن قضية الآبار العشوائية مثال على التحديات المعقدة التى تواجه البلاد فى سعيها نحو التنمية المستدامة والحفاظ على مواردها المائية، وأكد أنه من الضرورى إيجاد حلول متوازنة تراعى الحاجة إلى المياه والحفاظ على البيئة، مع ضمان تطبيق القوانين بشكل يحمى حقوق جميع المواطنين ويدعم جهود التنمية الشاملة.

وأنه فى حال تطبيق القانون بشكل صارم، سيكون المواطنون ملزمين بالحصول على التصاريح اللازمة واتباع الإجراءات الآمنة لحفر الآبار، مما يضمن عدم الإضرار بالآبار المجاورة والحفاظ على الموارد المائية.

د. أحمد فوزى دياب، كبير خبراء إدارة المشروعات والمياه والزراعة بالأمم المتحدة، أشار إلى أن مصر تعانى من أزمة مائية، تدفع البلاد إلى البحث عن مصادر جديدة للمياه لتلبية احتياجاتها المتزايدة، خاصة فى ظل الظروف الراهنة التى تشهدها مصر، ومع تصاعد أزمة سد النهضة، والتغير المناخى تبرز المياه كثروة قومية لا غنى عنها، وتصبح الحاجة إلى المياه أكثر إلحاحًا من أى وقت مضى.

ويُعد المخزون الجوفى للمياه فى مصر من الأصول الطبيعية القيمة التى تتطلب حماية وإدارة فعالة.

ملوحة التربة

وفقًا لـ د. دياب، تمتلك مصر مخزونًا جوفيًا فى أماكن معينة معروفة تم تحديدها من قبل وزارة الري، ومن الضرورى الحفاظ على هذا المخزون لأطول فترة ممكنة.

ومع ذلك، يُعرض الحفر العشوائى للآبار هذا المخزون للخطر، ما يؤدى إلى تدهور البيئة وزيادة ملوحة التربة، وبالتالي، تقليل الإنتاجية الزراعية وتسريع عملية التصحر، وأوضح أن التصميم الخاطئ وغير المدروس للآبار ينتج عنه ارتفاع ملوحة التربة.

وتُظهر الدراسات والتقارير الحديثة أن العقوبات الحالية ليست كافية لردع الممارسات غير المسؤولة فى استغلال المياه الجوفية.

لذا، شدد د. دياب على أهمية تغليظ العقوبات وضمان التزام الشركات والأفراد بالمعايير المحددة للحفاظ على الموارد المائية، كما أن التكامل بين القطاع الخاص والحكومة فى المشاريع القومية وتطوير الزراعات من العوامل الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة.

وأشار دياب إلى أن وزارة الرى هى الجهة المسؤولة عن تحديد الخزانات الجوفية وأماكنها ونوعية المياه المناسبة لهذه الخزانات.

وتُعتبر الخطط التى تضعها الوزارة للإدارة الرشيدة للمياه الجوفية حاسمة فى تحديد مستقبل الزراعة والتنمية ضمن خطة القيادة السياسية 2030.

التحديات والحلول

د. عباس شراقى، مدير مركز الموارد المائية بمعهد البحوث الأفريقية، قال إن قطاع المياه فى مصر يواجه تحديات جمة، من أبرزها الاستخراج العشوائى للمياه الجوفية، والذى يتمثل فى حفر الآبار دون تصريح قانوني، وهذه الممارسة تهدد ليس فقط الموارد المائية للدولة، بل أيضًا صحة وسلامة المواطنين حيث إنه فى حالة أن البئر لم تكن عميقة فقد يتم استخراج مياه صرف صحي.

ويشير د. شراقى إلى أن القانون الحالى يجرم كل من يقوم بعمل مائى دون تصريح، مؤكدًا على أهمية الحصول على التصاريح اللازمة من وزارة الري، التى تضع معايير واضحة لحفر الآبار بهدف حماية المواطنين والموارد المائية.

من الحلول المبتكرة التى يطرحها د. شراقي، استخدام الطاقة الشمسية لاستخراج المياه، مما يساهم فى تحديد الكميات المستخرجة وتقليل الاستهلاك العشوائي، كما يشير إلى أهمية تركيب عدادات لحساب كمية المياه المستخرجة يوميًا، وهو ما يعزز الشفافية والمساءلة فى استخدام المياه.

يؤكد د. شراقى على أهمية تطبيق القانون بحزم لحماية الموارد المائية، مشددًا على ضرورة التزام المواطنين بالإجراءات القانونية لحفر الآبار، ويقترح تخفيض الرسوم المطلوبة لتشجيع الالتزام بالقوانين، مما يساعد فى الحفاظ على ثروات البلاد وضمان استدامة الموارد المائية.

تعتبر منطقة الفرافرة مثالًا حيًا على التحديات التى تواجهها المناطق النائية، حيث يعتمد السكان هناك بشكل كامل على الخزان الجوفى للمياه، والذى لا يتجدد بسهولة، والاستهلاك الخاطئ للمخزون الجوفى يعرض الأرض للتبوير.

غير متجددة

وأوضح د. شراقى أنه يجب التمييز بين المياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة كعامل حاسم فى الحفاظ على موارد المياه للأجيال القادمة، وأشار إلى أن عملية تجدد المياه الجوفية تتم بفضل دورة المياه الطبيعية، حيث تغذيها الأمطار والثلوج التى تتسرب إلى باطن الأرض، وتُقدر بمعدلات التدفق السنوية.

هذه المياه، التى تُعد مستدامة بفضل تجددها المستمر، تُستخدم بكفاءة عندما يكون معدل الاستخراج متوازنًا مع معدل التجديد، وقال إن عملية تشكل المياه الجوفية غير المتجددة تمثل تحديًا بيئيًا، إذ تتألف من مخزونات قديمة محتجزة فى خزانات جوفية عميقة، ولا تتجدد إلا ببطء شديد.

وتُقاس هذه المياه بالكميات المخزونة بدلاً من معدلات التدفق، وتُعتبر غير مستدامة بسبب استنزافها المستمر الذى يفوق قدرتها على التجديد الطبيعي.. ويحذر د. شراقى من أن ملوحة المياه الناتجة عن الاستخراج العشوائى قد تؤدى إلى تبوير الأرض وهجرة المواطنين بسبب عدم صلاحية المياه للاستخدام.

د.ضياء الدين القوصى خبير الموارد المائية والمستشار السابق لوزير الري يقول: إن هناك ٣ ضوابط لخدمة المواطن ولعدم الإضرار بالتربة، فعلى سبيل المثال يجب وضع ضوابط لحفر الآبار بجوار المناطق الساحلية بحيث لا يسمح بمياه البحر بالاختلاط مع المخزون الجوفى، أما الجزء الثانى فيتعلق بوضع مسافة مناسبة بين الآبار حتى لا تلوث احداهما الأخرى.. أما الجزء الثالث من الضوابط فيتعلق بعمق البئر، حيث إنه كلما كان عمق البئر سطحيا كانت الأضرار أكبر، حيث ستقوم البئر بسحب مياه الصرف الصحى بدلا من المياه الجوفية النظيفة.