قضية ورأى

حتمية التكامل بين الثقافة والتعليم فى الحكومة الجديدة

د.محمد سليم شوشة
د.محمد سليم شوشة

محمد سليم شوشة

كتبت فى هذه المسألة أكثر من مرة لكونى كنت مشغولا بها على مدار سنين

فى ضوء التوجيهات المتكررة لفخامة الرئيس السيسى بضرورة التكامل بين الثقافة والتعليم والتعليم العالى وربما الإعلام كذلك، أتصور أنه يمكن أن يكون مفيدا للغاية استحداث منصب جديد مساعد لرئيس الوزراء لشئون الثقافة والتعليم، ليكون هذا المنصب مسئولا عن متابعة ومراقبة هذه المساحة المشتركة بين الوزارات المعنية بالحياة الفكرية والعلمية وما يتحتم من إصلاحات وتطبيق استراتيجية الدولة للإصلاح فى الحياة العلمية والثقافية، والحقيقة أن هذا الأمر يختلف تماما عن أى إصلاحات سواء جزئية أو كلية فى التعليم، فالحياة العلمية والفكرية هى الأساس وهى المنبع، حيث تتشكل ثقافة جديدة وتتشكل توجهات عامة مغايرة تماما، وتصبح الحياة المصرية العامة متشكلة على نحو يضمن مبادئ الإبداع العلمى ويستكشف مواضع الخلل والتأخر الفكرى والعلمى والثقافي، إذ فى تقديرنا أن كل مشاكلنا إنما تنبع من هذه المساحة تحديدا، وما هو حاصل بالفعل فى حياتنا من الخلل العلمى والفكرى هو منبع كل الأمراض والإشكالات التى نواجهها.


بل إن كل التحديات المستقبلية التى ستحدد مصير أمتنا كلها تتأسس على الجوانب العلمية والفكرية والثقافية، وهذه المصطلحات يجب أن تكون قد تم تحديدها بصرامة ودون خلط أو لبس وفى ضوء رؤية علمية فائقة الحساسية والدقة. وبالمناسبة ليس المقصود بها ما أصبح مستهلكا من حديث تجديد الخطاب الدينى أو أى من هذا الجدل الذى أصبح ملبسا ومحفزا للشجار الفكرى والتنازع أكثر من كونه محرضا على الاستبصار والفهم والجدل المثمر.


الحقيقة أن الحياة العلمية فى مصر فيها بعض الإشكالات الجوهرية والعميقة التى يجب أن يقوم عليها تحديدا ومعالجة أهل المهنة من الأكاديميين الذين لهم طابع فكري، أو بكل صراحة يجب أن يكونوا أكاديميين مفكرين، ويمتلكون حساسية مستقبلية ورؤية طليعية وليس رؤية تنتمى إلى الماضى أو إلى مراحل تاريخية وفلسفات انتهت. يجب أن يكونوا مالكين لقوة الخيال حتى يستطيعوا استكشاف الأسرار الخفية وراء ضعف الاكتشافات العلمية والنظريات البحثية الحقيقية، أى ضعف الإنتاج العلمى الحقيقى الذى يمكن ترجمته إلى منتج صناعى أو اقتصادي، والحقيقة أن هذا أمر جوهرى لا علاقة له بالإتقان المعرفى للنظريات المستوردة من الآخر، فهذا شيء والاكتشافات العلمية الحقيقية الخاصة بالفيزياء والرياضيات والكيمياء وغيرها من العلوم شيء آخر ومختلف تماما، والحقيقة أن هذا أمر يرتبط بضعف فلسفة العلوم لدينا، أى ما وراء كل علم من دوافع بعيدة تنمى الشغف المستمر لمجموعات كبيرة من العلماء، وكنت قد كتبت فى هذه المسألة أكثر من مرة لكونى كنت مشغولا بها على مدار سنين.


والأمر نفسه فيما يخص الثقافة وتكاملها مع التعليم والإعلامى وأسئلة تشكيل العقل الجمعى والوعى الوطنى والقومى فى ظل عصر تتلاطم وتتداخل فيه المصادر وتتنوع وتتعدد فيه الفواعل الإعلامية وتتصارع الخطابات على تشكيل ذهنية الإنسان المصري. فهذه كلها تحديات جوهرية جدا ويجب أن تكون شاغلنا الأول فكل ما نرى من جوانب أخرى تخص الاقتصاد أو السلوكيات الخاطئة فى السوشيال ميديا أو غيرها كلها انعكاس لما فى الأعماق من ميكروبات إن جاز هذا التشبيه، فكل الأخطاء السلوكية والإشكالات التى نعيشها هى فى الأساس أعراض لما فى الأعماق من أمراض فى الحياة العلمية والفكرية والثقافية ولا يمكن تأخير معالجتها أكثر من ذلك.