قضية ورأى

قرار مجلس الأمن 2735 بين التنفيذ والفشل

د. أيمن الرقب
د. أيمن الرقب

نتنياهو لاعب سياسى ماكر يدرك الحاجة الأمريكية لذلك، ويلاعب البيت الأبيض على المكشوف

منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة أصدر مجلس الأمن أربعة قرارات هى 2712 و2720 و2780 وأخيرا قرار 2735 فى العاشر من يونيو الجاري.

جميع هذه القرارات لم تنفذ حتى الآن وبالعادة المعيق يكون الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أن قرار 2735 يدعو فى نهاية مراحله الثلاث إلى وقف مستدام لإطلاق النار، ورغم أنه يضع مسارات إعادة إعمار قطاع غزة فى فترة ممتدة من ثلاث إلى خمس سنوات، إلا أن هذا القرار يشير فى نهايته لضرورة إنهاء الصراع العربى على أساس حل الدولتين، هذا القرار لوحده كفيل بتفكيك حكومة اليمين الإسرائيلي، ونهاية حياة نتنياهو السياسية، لأن كل التقديرات تشير إلى أن أى انتخابات ستجرى حاليا سيكون نتنياهو وحزبه أقل حظا من بنى غانيتس وحزبه ، لذلك نتنياهو حتى هذه اللحظة لم يعط قرارا للبدء فى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2735.

كما أن اليمين المتطرف الحاكم فى تل آبيب لن يقبل بهذا القرار زمرة واحدة، لأن هذا يعنى قبول اليمين الصهيونى بحل الدولتين وهو يرفضه بكرة وأصيلا، نتنياهو من جانبه يدرك مخاطر هذا القرار والذى تحدث الرئيس الأمريكى جو بايدن أنه مشروع إسرائيلى وتم التشاور حوله مع الجانب الإسرائيلى قبل عرضه للتصويت، وأشك فى ذلك.

لقد ذهب بعض المحللين الإسرائيليين للإشارة إلى أن البيت الأبيض يريد أن يورط نتنياهو لذلك أكد الرئيس الأمريكى قبل وبعد صدور القرار أن هذه أفكار إسرائيلية، وهذا سر تجنب نتنياهو إعطاء موقف مباشر حول هذا القرار وترك الخلل يأتى من قبل حركة المقاومة الإسلامية حماس، ليتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الذى يؤيد القرار.

الغريب أن الجانب الآخر من هذا الأمر وهى حركة المقاومة الإسلامية حماس ومعها فصائل المقاومة المختلفة والسلطة الفلسطينية رحبوا بقرار مجلس الأمن 2735 واعتبروه فرصة لوقف الحرب على الشعب الفلسطيني، وطالبت المقاومة ببعض التوضيحات على القرار خاصة أن القرار كان مقتضبا، والتوضيحات التى طلبتها المقاومة منطقية لضمان تنفيذ القرار وإنهاء الحرب على قطاع غزة، خاصة أن الاحتلال لا يؤمن جانبه فى الانقلاب على القرار وعدم إكمال تنفيذه ولنا شواهد كثيرة تاريخيا.

ولكن كان الأفضل الإعلان مباشرة بقبول هذا القرار دون المطالبة بأى تعديلات أو ملاحظات رغم العورات فى القرار، وبذلك تلقى الكرة فى ملعب العالم أولا والاحتلال الإسرائيلى ثانيا، حيث ستكون المطالبة بتنفيذ القرار حقا للشعب الفلسطينى من قبل العالم بأسره، ونقطع الطريق على المماطلة الأمريكية والإسرائيلية.

سيكون حينها أمام نتنياهو أما إقناع شركائه من اليمين المتطرف بضرورة الذهاب لإنهاء الصراع والموافقة على حل الدولتين، أو تفكك حكومة والمغامرة بالذهاب لانتخابات مبكرة فى ظل استمرار الحرب على غزة، وكل الخيارات مرة لنتنياهو.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فهى بحاجة لتنفيذ هذا القرار الذى أطلقت عليه مشروع الرئيس الأمريكى جو بايدن، خاصة أن ساعتها الانتخابية تتسارع بشكل كبير والوقت ينفد، وتحتاج القيادة الأمريكية أى إنجاز فى هذا الملف قبل موعد الانتخابات عسى أن يعدل هذا القرار فى حال تنفيذه الكِفة لصالح الديموقراطيين خاصة أن معظم استطلاعات الرأى تشير إلى فوز الجمهوريين فى الانتخابات الأمريكية المقبلة.

نتنياهو لاعب سياسى ماكر يدرك الحاجة الأمريكية لذلك، ويلاعب البيت الأبيض على المكشوف لأن عينه على فوز حليفه ترامب الذى سيوفر له الدعم والحماية لاستمرار حربه على عدة جبهات فى الجنوب والشمال، ولذلك سيفسد كل الجهود الأمريكية حتى انتهاء الانتخابات الأمريكية.

البعض ذهب لاعتبار أن قرار 2735 يشبه قرار 242 الذى صدر فى نوفمبر عام 1967 لوقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلى والدول العربية ونفذ العرب الشق الذى يتعلق به فى حين تهرب الاحتلال من تنفيذه.

بين كل هذه الإرهاصات التى أشرت إليها فإن قرار 2735 سيظل حبيس الانتظار للتنفيذ لأنه لم يستند للفصل السابع من قانون مجلس الأمن، وبذلك سيفتقر لقوة التنفيذ، وإصرار العالم على إدارة الصراع دون حله سيزيد المنطقة التهابا ونارا والقادم سيكون أصعب مما مضى وعلى الجميع.