مع العلماء

القلب لا العقل

الأخبار
الأخبار

د.صابر حارص

القلب هو مصدر العقل والفهم والفقه والإلهام والإبداع والحب والحنان والإيمان والاستقامة والأخلاق والتدين والتربية، فإذا صلح القلب صلحت تصرفاتك وأعمالك وأقوالك، وصدق لسانك وطاب مظهرك ومخبرك، وإذا فسد القلب فسدت أعمالك.. لِمَ لا؟ وفى القلب مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، كما أخبرنا هادى الأمة الذى يوحى إليه من رب العالمين.

لِمَ لا؟ والله تعالى يقول- مخبرًا عن دعاء عباده الراسخين فى العلم: «رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ» «آل عمران:8» لاحظ هنا أن رب العزة سبحانه وتعالى لم يقل (رَبَّنَا لَا تُزِغْ عقولنا) مع أن المعنى يستقيم مع العقل: زاغ العقل وتزيغ العقول.

لِمَ لا؟ وكان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ» وكان صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه رضى الله عنهم أن يدعوا بهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ... قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا)

لذا وجب أن تهتم فى دعائك لقلبك بأصدق الدعاء وأخلصه، كما أن واجب الدعاة وربما خبراء التنمية البشرية أن يهتموا بتدريب القلوب أكثر من العقول لأنها وعاء الفضائل المراد إيقاظها فى الإنسان، وهى أسرع وأقوى فى التغيير من بقية الجوارح الأخرى.

هنيئا لمن كان لهم قلوب يعقلون بها، وليست قلوبا لا يفقهون بها، ففى الحالتين يقر القرآن أن مصدر التعقل والتفقه هو القلب.

طالع ما يلى على سبيل الاستدلال وليس الحصر بعض الآيات ومنها: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»، و«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ»، و«كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ».

ومن ثم فإن المعنى الشائع بأهمية سيطرة العقل على نزعات وميول القلب يحتاج إلى مراجعة أعمق وأدق، يأتى فى قلبها أطروحة القلب بوصفه مصدر التعقل والتفقه بنص القرآن الكريم.