حكايات «ست الستات».. رشا جزارة بالوراثة

رشا جزارة بالوراثة
رشا جزارة بالوراثة

الذبائح تملأ المكان والدماء فى الأرجاء، ورجال بالعشرات يعملون ويتحركون، وأصوات سن السكاكين وطرق السواطير تسيطر على ضوضاء ميدان محطة مصر بالإسكندرية، مشهد غير مألوف يظهر وسط هذه الأجواء، سيدة بكامل أناقتها تمسك بالساطور وتقطع اللحوم، وتدير كل تفاصيل العمل من حولها.


«لم أجد نفسى فى مهنة المحاسبة، وارتديت جلباب أبى بملء إرادتى».. هكذا بدأت رشا فلفل، الحاصلة على بكالوريوس التجارة شعبة المحاسبة، بجامعة الإسكندرية، حديثها عن مهنة الجزارة، منذ 14 عامًا.. وأكدت رشا بعد عام من العمل بمهنة المحاسبة فور تخرجها فى الكلية، أنها لم تجد نفسها فى هذه المهنة وقررت الاتجاه لمهنة أبيها التى ورثها عن جده، وأصبحت ألمع جزارة فى الإسكندرية، والأكثر شهرة على الإطلاق بين سيدات المدينة، لذلك أطلق عليها كل من يعمل معها «بنت الريس»، فهى لا تحب لفظ «المعلمة».. تنظر إلى الساطور، وتمسك به لقطع إحدى القطع من ذبيحة معلقة داخل المحل، وتقوم بجذبها بقوة، وتضيف: العمل الشريف هو الأساس، ومن يريد أن يكسب رزقه بالحلال عليه العمل بلا خجل، وأنا لم أشعر يومًا بالخجل أو الملل من عملى، بل على العكس، أخذت على عاتقى تحمل المسئولية منذ أن تعلمت أصول المهنة والبيع والشراء.


تقوم بتغليف القطع التى اجتذبتها من الذبيحة المعلقة بعد أن وزنتها وحددت سعرها للزبون، وتتابع حديثها: أنا لم أخطط يومًا من الأيام لكى أصبح جزارة، أنا فقط كنت أريد أن أحقق ذاتى، وحققت ذاتى فى هذه المهنة، بالرغم من أنى كنت أواجه العديد من الانتقادات فى بداية عملى ولكن مع الوقت بدأت الزبائن تشجعنى وتطلب منى تجهيز طلباتهم من اللحوم بسبب خبرتى فى التقطيع.


تقوم بسن الساطور الذى يزيد وزنه على الكيلو جرام فى يدها، وتبتسم ابتسامة يعلوها شىء من الخجل، وتتشرب بشرتها بحمرة ليست بلون الدم، إنه حياء الأنوثة الذى لم يفارقها تحت وطأة السكين والدم، وتقول أنا أنهى عملى ثم أعود للبيت لا أقصر فى واجباتى المنزلية، ورعاية بيتى وأولادى، أتزين وأتجمل، وأمارس هواياتى حتى أن الذى يرانى ليلا مثلا لا يكاد يصدق أن هذه هى التى كانت فى الشارع تقطع اللحوم وتنحر الذبائح وتتعامل مع الزبائن.
تؤكد رشا أن دعم المارة والمواطنين لها كان له دور كبير فى استمرارها وتطويرها فى مجال عملها، حيث اكتسبت الثقة من دعمهم وتقديرهم لجهودها، لتشكل قصة رشا نموذجًا يحتذى به فى التحلى بالشجاعة والإصرار على النجاح، مهما كانت الظروف والتحديات.
عفاف المعداوى