« السم في العسل» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبدالعظيم

الكاتبة أميرة عبدالعظيم
الكاتبة أميرة عبدالعظيم

 

بعد رحلة عناء داخل المطبخ في النهاية، قررت أن أُكافئ نفسي بكوب من الشاي بالحليب الساخن بصحبة هانئة بطبق من البسكويت وجلسة من استرخاء القيلولة والراحة المؤقتة أمام التلفاز.

 

بالفعل أخذت الشاي باللبن والبسكويت وذهبنا سويا في لحظة هروب إلى غرفة المعيشة وجلست على الأريكة وفتحت التلفاز على قناة تعرض مسلسل عربي شاهدت الحلقة الأولى منه وقررت أن أتابعه..

كالمعتاد وقبل بداية المسلسل كم من الإعلانات التي تشعرك كمشاهد بالملل وتنسيك  في الأساس هدفك الذي فتحت التلفاز من أجله

المهم وأخيراً بدأ المسلسل وأخذت أنا في المتابعة في جلل، وإذا بى أُفاجأ بوصلة من الشتائم والسب العلني والتهديدات بالقتل وأسلحة بيضاء في يد الممثلين وكأنهم يمسكون بعصا خشبية.. حالة من الرعب جعلتني أفزع كثيرا لا أصدق ما تراه عينى وما تسمعه  أذني والأعجب من هذا كله بل والمفزع والأكثر من ذلك أن ما يحدث بالفعل يعرض على شاشة التلفاز على مرأى ومسمع من الأطفال والنساء والشباب،

صورة مشينة فعلا أن تعرض مسلسلات اجتماعية بهذا المستوى المتدني

بالطبع اضطررت لغلق الصوت على الفور حتى لا تتسرب هذه الألفاظ داخل البيت ويسمعها الأولاد وحتى لا أصاب أنا بالتلوث السمعي

وإذا بزوجي ينادى أين القهوة يا سهير ...عايز أنزل أغلقت التلفاز وخرجت من الغرفة قائلة حالاً حبيبي ....

وأثناء مروري من الغرفة إلى المطبخ سمعت نفس الألفاظ تأتى من الركن الموازى لغرفة ابنتي "سما" تركت كل شيء وبسرعة فائقة توجهت إلى الغرفة وإذا بي أجد  "سما" تشاهد مسلسل آخر على شاشة اللاب توب الخاص بها فَزِعتُ كثيرا لهذا وقولت لها في غضب شديد اطفئي ده حالا

واجهزي للنزول حتى لا نتأخر على ميعاد تمرين السباحة

البنت أخذت تجادلني كعادة كل الأجيال في عمرها فهي تبلغ من العمر ستة عشر عاماً

وإذا بها تُلقى على سمعي كلمات عجيبة ليست برنانة ولكنها شديدة الخطورة أول ما قلت لها أغلقي هذا قالت مالك يا ماما في إيه.. إيه القفش ده خليكي بيس وفرفوره لم أستوعب ما الذي تنطق به ابنتي ولكنى حاولت أن أتمالك أعصابي قدر الإمكان حتى لا يطول النقاش وتزداد معه بعثرة الحروف......

من بعيد زوجي ينادي سهير أين القهوة ....

حاضر  حالاً ...

ذهبت إلى المطبخ وأنا أتحدث مع نفسي وتشغلني طريقة الحوار التي دارت بيني وبين ابنتي فهذه الألفاظ التي تناثرت من فمها لا يمكن أن تكون وليدة المنزل بل هي وليدة الشارع ووليدة السوشيال ميديا التي انتشرت في كل البيوت.

انتهيت من عمل القهوة، وأثناء ذلك كانت سما جاهزة وصلت معها إلى النادي وتجهزنا للسباحة وإذا بمجموعة من البنات تترواح أعمارهن ما بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة يتبادلون الضحكات بأصوات عالية جدا تصاحبها مجموعة من الألفاظ النابية والشتائم المقززة

في الحال استدعيت ابنتي وهربت بها خارج المكان

وتحدثت مع الكابتن ما هذا حضرتك كيف تسمحوا لهؤلاء البنات بهذا العبث الأخلاقي !!!!

ونحن في طريقنا للمنزل أخذت نفسي تلاطمني

ما هذا اليوم الملئ برذاذ التلوث اللفظي وانبعاثات الدخان الكثيف من انعدام التوازن الأخلاقي!!

وأخيراً وصلنا إلى المنزل، وفوجئ زوجي بعودتنا السريعة

وسأل ما بكم؟

فما كان مني إلا أن قلت، نحن من أدخلنا السم في العسل!!.