لا نأسف للإزعاج

حسابات الرئيس

إسلام عفيفى
إسلام عفيفى

 ربما تصيب الكاتب حيرة شديدة إذا ما أراد أن يكتب عن مسيرة وطن فى عشر سنوات قادها الرئيس السيسي، وترجع تلك الحيرة لأكثر من سبب هل تتناول تلك المسيرة بمقياس ما تحقق على الارض وما تم إنجازه حتى الآن وهو أكثر من أن يحصى رغم كل محاولات التشكيك التى يعرف كل مصرى مصدرها وأهدافها ؟ أم تقف عند محطات وملفات بعينها لإعادة طرحها وقراءتها ؟ أم نبدأ من مشهد الاستدعاء الشعبى للفريق عبدالفتاح السيسى فى ظروف هى الأصعب تاريخيا وإقليميا للوطن على مدار تاريخه، وكيف واجه كل العواصف التى مرت على منطقتنا ودولها وكيف نجت «سفينة مصر» من تلك الأنواء؟ 

 ولا يعنى هذا أننا وصلنا بسفينتنا إلى بر الأمان وأنه آن أوان الراحة وجنى الثمار، فما زالت التحديات شاخصة للأبصار، ومخاض الأزمات يتجدد، والحرائق المحيطة مستمرة، والفخاخ التى تنصب لنا وتُصنَع على مهل على «أمل شرير» بالوقوع فيها لم ولن تُفلح، لإدراك القيادة السياسية أن إدارة المشهد تستوجب طرح أجندتنا ومصالحنا والتمسك بمسارات الدولة المصرية لإفشال ما يتم هندسته، فكلما أشعلوا نارا - بطريقتنا الخاصة وما نملكه من قدرات - أطفأناها، وهذه القاعدة لها أولوية خاصة لدى القيادة أثبتت فاعليتها فى مواجهة وإدارة الأزمات والتحديات على مدى عشر سنوات. 

لدينا من التجارب التاريخية ما يؤكد أن مصر دائماً لديها طموح ومشروع وحلم، ولكن تكمن الأزمة فى كل تجربة كيف نحقق هذه الأحلام فلا تتحول إلى كوابيس بحجم دولة كبيرة، كيف نسعى للوصول إلى ما نطمح إليه دون أن يصطدم المشروع بما يكسر الإرادة والكبرياء الوطنى ونصحو على نكسة أو انكسار ؟! 

إدارة القرار، و إدراك عناصر القدرات الشاملة وتوظيفها الجيد وحسن الاختيار بين البدائل دون تفريط أو إفراط هى القاعدة الذهبية الثانية، وتعد فى أوقات الأزمات طوق النجاة، ونعرف جميعا أن مصر مرت منذ ٢٠١٤ وحتى اللحظة باختبارات عديدة، ربما لم ندرك تفاصيل كل تلك الاختبارات ولم يُزح عن كثير منها الستار ولكن كل الشواهد تشير إلى أننا نجونا من كمائن كثيرة، وكما تصدى صانع القرار المصرى بشجاعة وجرأة لكل التحديات، أيضا كان المواطن المصرى هو «بطل الحكاية» كما وصفه الرئيس السيسي، كان الرهان على الشعب باعتباره السند، وكانت وراء كل القرارات وتجاوز التحديات كتلة صلبة متماسكة تؤمن بوطنها وتنشد الاستقرار والأمن، وتُعلى مصالح الدولة وإن تحملت الكثير من أجل نجاح المشروع والتجربة والحلم المصرى. 

أعتقد أن البحث عن الأمان و كيف تعود شوارعنا آمنة مطمئنة هو ما كان يشغل بال المصريين جميعا، فبدون الأمن تستحيل الحياة، ولا يمكن أن نغادر الملف الأمنى قفزا لنشرع فى بناء الجمهورية الجديدة، فإذا ما استتبت الأمور دارت عجلة الحياة ودبت فى شرايين مصر التنمية، بالتأكيد كان توفير الموارد اللازمة لتدبير احتياجات الملايين اليومية هاجسا مزعجا فى بلد يعانى شح الموارد، كانت هذه هى الصورة وللحقيقة والتاريخ أيضا كان الدعم العربى حاضرا لتصمد الشقيقة الكبرى وتتعافى وتظل سندا لكل الأشقاء وحارسا أمينا للأمن القومى العربى.

الإرهاب كان عبئا ثقيلا جاثما على صدورنا، عبئا سياسيا ودينيا وحياتيا، يعزف لغة نشازًا لا تعرف «نوتة الوطن» ولا قبلته ولا بوصلته، وخاضت مصر على الإرهاب حربا بلغت ذروتها فى «العملية الشاملة» ودفعت ثمنا غاليا من دماء شهدائها جيشا وشرطة أزكى من نملك وأنبل ما قدمنا، كانت معركة عنيفة وتكفى مبررا لرفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ونغض الطرف عن مجرد التفكير فى البناء والتنمية، أو أن تُنتَهك حقوق الإنسان بإعلان حالة الطوارئ فى كل ربوع البلاد ليعطى القوات حرية الحركة لمواجهة من تجردوا من إنسانيتهم ووطنيتهم، كل هذا لم يحدث وانتفضت معاول البناء فى مواجهة معاول أهل الشر، وامتدت الأيادى المصرية تبنى وتعمر وتختصر الزمن وتقطع مسافات على طريق الحلم.

وفى نفس التوقيت الذى تواجه فيه مصر حربا شرسة،فُرضت علينا معارك من نوع آخر بأصوات تلك المنظمات المتلحفة كذبا بما يسمونه حقوق الإنسان تلك الشعارات الزائفة التى يتم توظيفها سياسيا فى لعبة مكشوفة بتقارير سابقة التجهيز وأكلاشيهات معدة سلفا ومن جديد تخوض مصر معركة خارج الحدود للتأكيد بأن ٣٠ يونيو هى أكبر ثورة فى التاريخ يشهدها العالم دفاعا عن الهوية واستعادة وطن كاد أن يغتصب من  «جماعة الأهل والعشيرة» وتنجح إرادة المصريين مرة أخرى وتنكسر أمام صلابة دبلوماسيتنا العتيدة كل الانتقادات ومحاولات تشويه ثورة عظيمة. 

لم تكن أمام القيادة المصرية فرصة التقاط الأنفاس، تنتهى من معركة لتبدأ أخرى، لا وقت سوى للعمل، نحن فى سباق مع الزمن «خصمنا الأول»  وهنا نصل للقاعدة الذهبية الثالثة فى طريقة التصدى للتحديات بحلول جذرية بعيدا عن المسكنات أو الالتفاف على المشاكل «العشوائيات مثالا» أو اللجوء لتأجيلها وترحيلها لجيل آخر بما يضاعف من فاتورة علاجها، هذه الاختيارات والحلول الصعبة قد يفكر أى رئيس كثيرا خوفا على شعبيته لكن ما أعلنه الرئيس كان واضحا أنه لن يخدع الشعب ولن يخفى عليه شيئا وأنه لا يسعى لكسب شعبية على حساب مصالح الدولة العليا، أو أن يتلاعب بمصير الملايين لتحقيق أمجاد شخصية ويحظى بتصفيق الجماهير، حسابات الرئيس مختلفة تماما عن حسابات السياسيين الباحثين عن بطولات زائفة على حساب الأوطان ولو أنه فعل ذلك ما كان شعار الجمهورية الجديدة حاضرا وواقعا نسعى لترسيخه وسط إقليم مشتعل وعلى أرض وطن كان على بعد خطوات من الهاوية.