خالد محمود يكتب .. موسيقى عمار الشريعى أقوى من الزمن

خالد محمود
خالد محمود

تربطني‭ ‬بموسيقى‭ ‬عمار‭ ‬الشريعي‭ ‬حالة‭ ‬وجدانية‭ ‬خاصة،‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬اليقين‭ ‬كيف‭ ‬تنقلني‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬إلى‭ ‬حال،‭ ‬لكنها‭ ‬بالفعل‭ ‬تجعلني‭ ‬أعيش‭ ‬عالم‭ ‬أنسى‭ ‬به‭ ‬هواجس‭ ‬أفكار‭ ‬تطاردني‭ ‬وتقلقني‭ ‬حول‭ ‬الحياة،‭ ‬حين‭ ‬أسمعها‭ ‬لا‭ ‬أشكو‭ ‬أوجاعي‭ ‬المعتادة‭.. ‬وأقول‭ ‬لنفسي‭ ‬لما‭ ‬لا‭ ‬أعيش‭ ‬ولو‭ ‬بضع‭ ‬لحظات‭ ‬يوميا‭ ‬مع‭ ‬موسيقى‭ ‬عمار،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬صنع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬حياة‭ ‬للدراما‭.. ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تفصلني‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬بالعالم،‭ ‬أرى‭ ‬معزوفة‭ ‬تؤرق‭ ‬قلب‭ ‬الشر‭ ‬وتقلب‭ ‬عليه‭ ‬كوابيسه،‭ ‬وأخرى‭ ‬تبهج‭ ‬الحياة‭ ‬حاضرة‭ ‬بكل‭ ‬المشاعر‭ ‬والأحاسيس‭.. ‬صراخ‭.. ‬غضب‭.. ‬حب‭.. ‬ثورة‭.. ‬حنين‭.. ‬عشق‭.. ‬رفض‭.. ‬آه‭.. ‬أنين‭.. ‬وجع‭.. ‬نشوة‭.. ‬سعادة‭.. ‬انتفاضة‭.. ‬وطن‭.. ‬أرض‭.. ‬سما‭.. ‬حلم‭.. ‬أسى‭.. ‬عصيان‭ ‬وندم‭..‬

مساء‭ ‬الأثنين‭ ‬الماضي،‭ ‬عشت‭ ‬مشاعر‭ ‬مختلفة،‭ ‬ثأرت‭ ‬على‭ ‬شرودي‭ ‬ومحاولة‭ ‬هروبي‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الأيام،‭ ‬وأنا‭ ‬بقاعة‭ ‬المسرح‭ ‬الكبير‭ ‬بدار‭ ‬الأوبرا،‭ ‬وفي‭ ‬حضن‭ ‬حفل‭ ‬أعمال‭ ‬الموسيقار‭ ‬عمار‭ ‬الشريعي‭ ‬الذي‭ ‬يقام‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالرموز،‭ ‬عشت‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬الملهمة‭ ‬بمشاركة‭ ‬صوتين‭ ‬أعشقهما،‭ ‬هما‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الحلو‭ ‬وعلي‭ ‬الحجار،‭ ‬وآخرين‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬الشابة،‭ ‬هم‭ ‬نهى‭ ‬حافظ‭ ‬وأميرة‭ ‬أحمد‭ ‬ومحمد‭ ‬حسن‭ ‬وحنان‭ ‬عصام‭ ‬ورحاب‭ ‬عمر‭ ‬وأنغام‭ ‬مصطفى،‭ ‬وكورال‭ ‬أطفال‭ ‬مركز‭ ‬تنمية‭ ‬المواهب‭ ‬بدار‭ ‬الأوبرا‭ ‬المصرية،‭ ‬وتحت‭ ‬قيادة‭ ‬المايسترو‭ ‬الموهوب‭ ‬تامر‭ ‬غنيم،‭ ‬جميعهم‭ ‬قدموا‭ ‬روائع‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬الشريعي،‭ ‬كانت‭ ‬البداية‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الرائع‭ ‬حيث‭ ‬جابت‭ ‬السماء‭ ‬خلفية‭ ‬المسرح‭ ‬بنجومها‭ ‬وقمرها‭ ‬لتعزف‭ ‬الفرقة‭ ‬موسيقى‭ ‬مسلسل‭ ‬“رأفت‭ ‬الهجان”،‭ ‬هنا‭ ‬بدأنا‭ ‬الرحلة‭ ‬وعشنا‭ ‬الزمن،‭ ‬ثم‭ ‬علت‭ ‬الصيحات‭ ‬وصرخات‭ ‬الإعجاب‭ ‬مع‭ ‬أغنية‭ ‬“أقوى‭ ‬من‭ ‬الزمان”‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬أنغام‭ ‬مصطفى،‭ ‬ذابت‭ ‬كلمات‭ ‬مصطفى‭ ‬الضمراني‭ ‬مع‭ ‬موسيقى‭ ‬الشريعي،‭ ‬وكأنها‭ ‬فعلا‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬زمن‭.. ‬“أن‭ ‬خدعتني‭ ‬الأماني‭.. ‬أو‭ ‬ضاع‭ ‬حبي‭ ‬في‭ ‬ثواني‭.. ‬ارجع‭ ‬لك‭ ‬أنت‭ ‬تاني‭.. ‬يا‭ ‬صحبة‭ ‬المكان‭.. ‬يا‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الزمان‭.. ‬ألاقيكي‭ ‬يا‭ ‬مصر‭ ‬أنتي‭.. ‬يا‭ ‬حبيبتي‭ ‬زي‭ ‬ما‭ ‬أنتي‭..‬

الضحكة‭ ‬الحلوة‭ ‬أنتي‭.. ‬والحب‭ ‬الباقي‭ ‬أنتي‭.. ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬يتغير‭.. ‬وإحنا‭ ‬بنكبر‭ ‬ونكبر‭.. ‬ونفارق‭ ‬بعضنا‭.. ‬وتبقى‭ ‬يا‭ ‬مصر‭ ‬دايما‭.. ‬طفل‭ ‬هيفضل‭ ‬صغير‭.‬‭. ‬بنحبه‭ ‬كلنا”،‭ ‬ونتابع‭ ‬مع‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى‭ ‬للشريعي‭ ‬مثل‭ ‬“حبيبتي‭ ‬من‭ ‬ضفايرها”‭ ‬غناء‭ ‬أميرة‭ ‬أحمد،‭ ‬و”بتسأل‭ ‬يا‭ ‬حبيبي”‭ ‬غناء‭ ‬نهى‭ ‬حافظ،‭ ‬وفي‭ ‬محطة‭ ‬أخرى‭ ‬قدم‭ ‬الموهوب‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬“أرابيسك”،‭ ‬وقدم‭ ‬كورال‭ ‬الأطفال‭ ‬“جرس‭ ‬الفسحة‭ ‬ضرب”،‭ ‬ثم‭ ‬حانت‭ ‬لحظة‭ ‬رفاق‭ ‬المشوار،‭ ‬ليقدم‭ ‬بإبداع‭ ‬كبير‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬الحلو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الشريعي‭ ‬التي‭ ‬امتزجت‭ ‬بدراما‭ ‬عمرها،‭ ‬“أديب،‭ ‬للثروة‭ ‬حسابات‭ ‬أخرى،‭ ‬زيزينيا”،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يلهمنا‭ ‬المطرب‭ ‬الكبير‭ ‬علي‭ ‬الحجار‭ ‬غنت‭ ‬رحاب‭ ‬عمر‭ ‬“عربية‭ ‬يا‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين”‭ ‬لنعيش‭ ‬إحساس‭ ‬خاص،‭ ‬وكأنه‭ ‬صرخة‭ ‬مدوية‭ ‬أطلقها‭ ‬الشريعي‭ ‬وعبدالسلام‭ ‬أمين‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬لتؤكد‭ ‬إن‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬قادم‭ ‬قادم‭ .‬

كانت‭ ‬اللحظة‭ ‬التالية‭ ‬لها‭ ‬مشاعرها‭ ‬الخاصة،‭ ‬عندما‭ ‬ظهر‭ ‬الشريعي‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬المسرح‭ ‬ليقدم‭ ‬بنفسه‭ ‬علي‭ ‬الحجار،‭ ‬وأنه‭ ‬شريك‭ ‬رحلة‭ ‬العمر،‭ ‬وصديق‭ ‬“الميه‭ ‬والسكر‭ ‬والمر‭ ‬والهوا‭ ‬والحلم”،‭ ‬ليشدو‭ ‬الحجار‭ ‬بإبداعات‭ ‬الشريعي‭ ‬في‭ ‬“رحلة‭ ‬أبو‭ ‬العلا‭ ‬البشري”‭.. ‬“متمنعوش‭ ‬الصادقين‭ ‬من‭ ‬صدقهم‭.. ‬ولو‭ ‬مش‭ ‬هتحلم‭ ‬معانا‭ ‬هضطر‭ ‬احلم‭ ‬بنفسي‭.. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬حتى‭ ‬مش‭ ‬هقدر‭ ‬احلم‭ ‬لنفسي”‭  .‬

‮ ‬كم‭ ‬كانت‭ ‬إرادة‭ ‬عمار‭ ‬قوية‭ ‬على‭ ‬التحدي‭ ‬والنجاح‭ ‬وسط‭ ‬الظلام‭ ‬الذي‭ ‬انقلب‭ ‬لنور‭ ‬يضيء‭ ‬كل‭ ‬الطريق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬في‭ ‬موسيقى‭ ‬تتر‭ ‬مسلسل‭ ‬“الأيام”،‭ ‬تذكرت‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬والفنان‭ ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬شركاء‭ ‬الإصرار‭ ‬والنبوغ،‭ ‬وغنى‭ ‬الحجار‭ ‬“أيام‭ ‬ورا‭ ‬أيام‭ ‬أيام‭ ‬ورا‭ ‬أيام‭.. ‬لا‭ ‬الجرح‭ ‬يهدى،‭ ‬ولا‭ ‬الرجا‭ ‬بينام،‭ ‬ماشي‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الشوك،‭ ‬ماشي‭ ‬وقلبي‭ ‬مطرح‭ ‬ما‭ ‬أخطي‭ ‬يبدر‭ ‬الأحلام”‭.‬

ثم‭ ‬غاص‭ ‬الحجار‭ ‬في‭ ‬موسيقى‭ ‬وألحان‭ ‬الشريعي،‭ ‬“أبو‭ ‬زيد‭ ‬هيفضل‭ ‬معانا،‭ ‬حوا‭ ‬وآدم،‭ ‬ليلى‭ ‬يا‭ ‬ليلى،‭ ‬مبسوطين،‭ ‬حدائق‭ ‬الشيطان”،‭ ‬وكان‭ ‬حسن‭ ‬الختام‭ ‬مع‭ ‬الأغنية‭ ‬التي‭ ‬أراها‭ ‬إعجازا‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الموسيقي‭ ‬“هنا‭ ‬القاهرة”،‭ ‬توحدت‭ ‬مع‭ ‬كلمات‭ ‬سيد‭ ‬حجاب‭ ‬وصوت‭ ‬الحجار،‭ ‬وآهات‭ ‬الجمهور‭ ‬تشدو‭ ‬مع‭ ‬نجما‭ ‬“هنا‭ ‬القاهرة‭ ‬الساحرة‭ ‬الآسِرة‭.. ‬الهادرة‭ ‬الساهرة‭ ‬الساترة‭.. ‬هنا‭ ‬القاهرة‭ ‬الزاهرة‭ ‬العاطرة‭.. ‬الشاعرة‭ ‬النيّرة‭ ‬الخيّرة‭ ‬الطاهرة‭.. ‬هنا‭ ‬القاهره‭ ‬الساخرة‭ ‬القادرة‭.. ‬الصابرة‭ ‬المنذرة‭ ‬الثائرة‭ ‬الظافرة‭.. ‬صدى‭ ‬الهمس‭ ‬في‭ ‬الزحمة‭ ‬والشوشرة”‭.‬‮ ‬

في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬سطع‭ ‬نور‭ ‬الشريعي‭ ‬مع‭ ‬أصوات‭ ‬رفاق‭ ‬الدرب‭ ‬وأصوات‭ ‬الأوبرا‭ ‬المميزة‭.‬‮ ‬

;