سيارة الحضانة.. تدهس الملاك الصغير

الضحية
الضحية

المنوفية‭: ‬إيمان‭ ‬البلطي

 ما أن اشتدت وقفته، ونطق كلماته الأولى، حتى سار يلهو ويلعب مع أشقائه، عرف والده أن ابنه الأصغر، قد كبر، وحان موعد أن يذهب به إلى حضانة حتى تؤسسه تعليميًا قبل أن يدخل المرحلة الابتدائية، هذا تفكير طبيعي وبديهي، وأغلب الأسر - إن لم تكن كلها - تذهب بأطفالها إلى الحضانات ليتأهلوا في مراحل التعليم، إلا أن الطفل، بدلا من أن يعود حاملاً كراسته المكتوب فيها ما تعلمه، عاد غارقًا في دمائه بعدما دهسته سيارة الحضانة.. تفاصيل أكثر عن تلك الواقعة البشعة التي شهدت أحداثها مدينة السادات في محافظة المنوفية، ترويها السطور التالية.

أحمد، هو اسم الطفل الضحية، طفل مدلل، شملته الرعاية ولما لا فهو «آخر العنقود»، أصغر أفراد أسرته، ويكبره ولد وبنت، يعيشون جميعًا في كنف أبيهم وأمهم، وكان الأب والأم حريصين على أن يوفرا لأولادهما كافة أنواع الرعاية، ويحيطوهم بفيض من المحبة والحنان.

الأب، واسمه هيثم، تزوج قبل نحو ١٠ سنوات، وأنجب ثلاثة أبناء، ولدان وبنت، أصغرهم أحمد، الضحية في تلك الواقعة.

البداية كانت قبل حوالي عام، أو أقل بقليل، وقتها ذهب هيثم بولده الصغير إلى إحدى الحضانات الموجودة في المنطقة محل سكنه ليقدم لنجله فيها، وبالفعل تمت إجراءات التقديم، واشترك الرجل في «باص» الحضانة، المكلف بنقل الأطفال من منازلهم إلى الحضانة، وفي نهاية اليوم الدراسي يعود بهم مرة أخرى إلى منازلهم.

«خلف الباص»

على هذا الحال جرت الأمور كما هو مخطط لها، في الصباح يحضر «الباص» ويأخذ أحمد من أمام منزله، وفي نهاية اليوم يعود به إلى البيت، هذه الخدمة هي تكلفة إضافية غير مصاريف الحضانة نفسها، يدفعها الأب حتى يوفر على نفسه وابنه عناء المواصلات، خاصة لو كانت الحضانة بعيدة إلى حد ما عن المنزل وتحتاج للوصول إليها ركوب وسيلة من المواصلات.

المهم، في اليوم المشؤوم، كان أحمد قد غلبه النوم في «الباص» أثناء عودته، فذهب في سبات عميق وعندما وصل «الباص» إلى بيته، أيقظته المشرفة المكلفة بمتابعة الأطفال داخل «الباص» - التي يقال لها «مس»، بكسر الميم – ايقظته وقالت له أن عليه أن يترجل من السيارة ويدخل بيته.

وقتها كان الطفل في حالة ما بين اليقظة والصحيان، يريد أن ينام ولا يقوى على الحركة، وحتى بعد أن أيقظته «المس» كان غير متزن، وخطواته غير مستقرة ولا ثابتة، لكنها أي المشرفة لم تراع ذلك، وأنزلت الطفل من «الباص» وهو على حالته تلك حتى لم تكلف نفسها أن تأخذه من يده الى بيته حتى تطمئن عليه.

وقف الطفل مشدوها بعض الوقت، وسار خلف «الباص» ووقف في اللحظة التي كان السائق فيها يعود إلى الخلف، ودون أن يراه، دهسه.

صرخات من الأطفال داخل «الباص» على زميلهم، وصرخات أخرى تنطلق مثل الصيحات من الناس الذين كانوا في الشارع وشاهدوا الواقعة، وقف السائق ونزل من السيارة، فوجد أحمد غارقا في دمائه، ينزف من جميع أنحاء جسده، فأمسكه السائق على الفور وانطلق به إلى أقرب مستشفى، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة.

مكالمة موت

بكلماتٍ حزينة، عبر هيثم، البالغ من العمر ٤٠ عامًا،  والد الطفل أحمد، قائلا: «تلقيت اتصالا هاتفيا من إدارة الحضانة، التى كان بها طفلي، وقالوا لي بأن ابني بالمستشفى نتيجة حادث، فأسرعت أنا وأمه إلى المستشفى وقتها؛ رأيت ابني ووجدت الدماء تسيل من وجهه ومن أذنه ومن رأسه المهشمة وتلونت حقيبته باللون الأحمر، حاول وقتها الفريق الطبي بكل جهده إنقاذ ابني، لكن أمر الله نفذ ومات».

واستكمل الاب قائلا: «بعد أن وجدت هذه الدماء، وحالة طفلي متأخرة، سألت سائق الأتوبيس عما حدث، فقال لي بأن ابني كان نائمًا، ووقع أمام الأتوبيس، لكن لم يفسر لي الأمر، كيف كان نائما داخل «الباص» وكيف وقع أمامه، وحينها قال لي بأن «المس» أيقظته وأنزلته من الأتوبيس، لكنه وقف خلفه، فدهسه مبررًا ذلك بأنه لم يره».

وأضاف: «كنت وقتها واقعا تحت تأثير الصدمة على فراق ابني، ولم أعقب على كلامه نظرًا لأن عليّ أن أستلم جثمانه وأكفنه وأدفنه، وبالفعل ذهبت لاستخراج شهادة وفاة له، لكني لم يكن معي شهادة ميلاده، فذهبت إلى السجل المدني ووقفت أمام موظف واستخرجت شهادة ميلاد جديدة لابني، حتى أذهب بها واستخرج شهادة وفاته».

إهمال ومحاسبة

واختتم قائلا: «الآن ابني قد رحل، ورحيله كان بسبب الإهمال من «المس» ومن السائق، الطفل نائم، كيف تنزله من «الباص» وهو على هذه الحالة، وكيف يتحرك السائق دون أن يعرف أن الطفل دخل بيته، ودون أن ينظر وراءه قبل أن يفكر في أن يعود بالسيارة إلى الخلف». في حديثها لـ»أخبار الحوادث»، قالت والدة الطفل أحمد: «ابني كل يوم ينزل من الاتوبيس ويصعد للشقة، كيف تجده مشرفة الباص نائمًا، وتنزله دون أن توقظ الطفل وتتأكد من يقظته تماما، من يتحمل هذا الإهمال، بسبب إهمالهم حرموني من ابني، بسبب إهمالهم مات فلذة كبدي».

وكان قد كتب الأستاذ هيثم، والد الطفل أحمد، ضحية حادث سيارة الحضانة، عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قائلا: «رفعت كراسي العزاء دون أن يفكر أصحاب الحضانة ولا قائد سيارتهم المشؤومة ولا العاملين عليها في عزائنا أو تطييب خاطرنا، ولو فعلوا ذلك لكان خيار العفو مطروحًا، ولكنهم حاولوا بكل الطرق قلب الحقائق، هم وأصحاب القلوب المريضة، خوفا على فتات الدنيا وسمعوا نفاق منافقيهم، تاركين لنا خيارا وحيدا وهو عقاب المهملين، ثم الدعاء عليهم بأن يذوقوا من نفس الكأس الذي تجرعناه، وهم يُطبلون لأنفسهم على صفحات السوشيال ميديا».

وأضاف: «الموت قدر رضينا به وسلمنا، ولكن إهمالكم الواضح عندما أنزلتم ولدنا نائما من سيارة الحضانة وأسرعتم فدهستموه وقتلتموه، فإن العقاب الذي سوف يقع عليكم أيضا هو قدركم فتحملوه».

وقد تلقى اللواء عمرو رؤوف مدير أمن المنوفية إخطارا من مأمور مركز شرطة السادات يفيد ورود بلاغ مصرع الطفل «أحمد هيثم عبداللطيف» في حادث سيارة، وتم نقل الجثمان لمستشفى السادات التخصصي، وعلى الفور انتقلت قوة أمنية للتحقيق في الحادث وتحرر محضر بالواقعة وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات. 

اقرأ أيضا : مصرع تلميذة صعقًا بالكهرباء في قنا

;