أصل الحكاية| «عين الصيرة» من بحيرة مهملة إلى منتزه عالمي في قلب القاهرة

 بحيرة عين الصيرة
 بحيرة عين الصيرة

تعد بحيرة عين الصيرة معلم تاريخي مهم في القاهرة، وواحدة من البحيرات الطبيعية الرئيسية، وتمثل جزءًا هامًا من تاريخ وتراث المدينة، تمتاز بحيرة عين الصيرة بجمالها الطبيعي وموقعها المركزي في قلب العاصمة المصرية. 

كانت في السابق بحيرة عين الصيرة متهالكة وملوثة تقع في قلب المدينة، ومع مرور الوقت، تم ترميمها وتجميلها لتحولها إلى منتزه عالمي، يعتبر مركزًا للاستجمام والترفيه في القاهرة.

اقرأ أيضا | فيديو| لا أري لا أسمع.. حال «القاهرة» مع فوضى بحيرة عين الصيرة

تُعرف البحيرة باسم "عين الصيرة" نسبةً إلى العين العذبة التي كانت تنبعث منها، والتي كانت مصدرًا للمياه العذبة في القاهرة الإسلامية القديمة، يُعتقد أن هذه العين كانت تساهم في إرواء عطش السكان المحليين وري الأراضي الزراعية المحيطة.

بالإضافة إلى أهميتها التاريخية والثقافية، فإن بحيرة عين الصيرة أصبحت اليوم مزارًا سياحيًا رئيسيًا في القاهرة، حيث يتوافد السياح والمواطنون على حد سواء للاستمتاع بمناظرها الجميلة والمناخ الهادئ والمرافق الترفيهية المتنوعة التي توفرها المنطقة المحيطة بها.

تجسد بحيرة عين الصيرة جهود الحفاظ على التراث الطبيعي وتطوير المساحات الخضراء في البيئة الحضرية، وتعتبر مثالًا مشرفًا على كيفية استغلال الموارد الطبيعية بشكل مستدام لخدمة المجتمع وتعزيز جاذبية المدينة كوجهة سياحية.

حكاية بحيرة عين الصيرة

قصة بحيرة عين الصيرة تعود إلى فترة العهد المملوكي في مصر، حيث كانت تُستخدم كمصدر للمياه العذبة للسكان المحليين ولري الحقول الزراعية، ومع مرور الوقت، تحولت بحيرة عين الصيرة إلى مكب للنفايات ومصدر للتلوث.

بحيرة عين الصيرة، التي تبلغ مساحتها 23 فدانًا فقط من إجمالي المساحة البالغة 63 فدانًا، شهدت عملية تجديد شاملة استغرقت عامين من العمل المتواصل، تم في هذه العملية إزالة كميات هائلة من النفايات والمخلفات المتراكمة في المنطقة المحيطة ببحيرة عين الصيرة ، حيث تم انتشال ما يقرب من نصف مليون متر مكعب من هذه المواد الضارة.

وبفضل الجهود المشتركة، نجحت الهيئة الهندسية في إعادة تأهيل المنطقة بشكل كامل، بما في ذلك إنشاء محطة معالجة لعلاج التلوث وتحسين جودة المياه في البحيرة عين الصيرة، تم تحويل المنطقة المحيطة بالبحيرة إلى متنزه عام يضم مسارات للعجل وملاعب ومناطق للتجول، إلى جانب مرافق ترفيهية متنوعة مثل الملاهي.

ومن الجوانب المشجعة، أن بحيرة عين الصيرة أصبحت موطنًا لبعض أنواع الأسماك، مما يشير إلى تحسن جودة المياه وبداية عملية التعافي من التلوث الذي كانت تعاني منه لسنوات عديدة، هذه الجهود تعكس التزام السلطات المحلية بتحسين بيئة المدينة وتعزيز جاذبيتها كوجهة سياحية رئيسية.

في هذا الصدد قال المهندس عبدالحميد الشرقاوي، نائب رئيس جهاز سور مجرى العيون وعين الصيرة، إن بحيرة عين الصيرة كانت تمثل كتلة من التلوث، ولكن تم إعادة تشكيلها بالكامل لتتحول إلى مزار سياحي مهم في قلب القاهرة.

وأشار إلى أن قصة إعادة تشكيل بحيرة عين الصيرة بدأت مع جهود مكثفة من السلطات المحلية في القاهرة، وذلك بتوجيهات من رئيس الجمهورية وتنسيق مابين العديد من الجهات المعنية بالتنمية المستدامة والحفاظ على البيئة. استهدفت هذه الجهود إعادة استصلاح بحيرة عين الصيرة التي كانت مهملة وملوثة، وتحويلها إلى وجهة سياحية مميزة في وسط القاهرة.

وأوضح أن عملية إعادة التشكيل تضمنت إزالة التلوث وتنظيف بحيرة عين الصيرة من النفايات، وتطوير المناطق المحيطة بها لإنشاء مساحات خضراء وممرات للمشاة، بالإضافة إلى إنشاء مناطق للجلوس والاسترخاء ومرافق ترفيهية. تم تنفيذ المشروع بشكل متكامل ومنظم، بمشاركة مختلف الجهات الحكومية والمجتمع المدني، مما أدى إلى تحول جذري في مظهر بحيرة عين الصيرة واستقطاب الزوار والمواطنين للاستمتاع بجمالها وراحتها.

وأضاف أن في السنوات الأخيرة، بدأت السلطات المصرية مشروع ترميم بحيرة عين الصيرة وتجميلها، بهدف تحويلها إلى متنزه عام يستمتع به المواطنون والزوار على حد سواء، وبفضل هذه الجهود، تحولت بحيرة عين الصيرة إلى وجهة سياحية رائعة في قلب القاهرة التاريخية، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالمناظر الخلابة والأنشطة الترفيهية المتنوعة في جو هادئ وممتع.

 

من مربع مستنقعات إلى مكان جمالي وتراثي

في الواقع، لا ترتبط بحيرة عين الصيرة بزلزال 1926 م، بل تشير المصادر إلى أن البحيرة قد تكون قديمة جدًا وقد تم استصلاحها وتجديدها عبر السنوات، تحولت بحيرة عين الصيرة من مربع مستنقعات إلى مكان جمالي وتراثي بفضل جهود التطوير التي أجريت عليها.

تعكس آراء الأثريين، أن تحول بحيرة عين الصيرة إلى موقع جمالي وتراثي، مما يعزز جاذبيتها للمواطنين والزوار على حد سواء. هذا يشير إلى أهمية الحفاظ على التراث الطبيعي وتطوير المساحات الخضراء في البيئة الحضرية لتحقيق تنمية مستدامة وتعزيز جودة الحياة في المدن.

وبناءً على التصريحات التي أدلى بها المؤرخ والأثري سامح الزهار، يبدو أن بحيرة عين الصيرة كانت موجودة قبل زلزال عام 1926، وهذا يعني أنها ليست ناتجة عن هذا الزلزال بل قد تكون قديمة جدًا. 

يشير الزهار إلى وجود تفرق جغرافي بين البحيرات الكبريتية وبين البحيرات التي تكونت من خلال تأثير مياه النيل، مثل بركة الفيل.

عدم ذكر بحيرة عين الصيرة في الفترة المملوكية والفترات التاريخية السابقة قد يكون بسبب عدم وجود مؤرخين يسكنون بالقرب منها أو عدم وجود مجتمعات بشرية في المنطقة المحيطة بها في تلك الفترات. وقد لم تلعب دورًا سياسيًا بارزًا كبركة الفيل، التي كانت تغمرها مياه النيل، مما جعلها غير موثقة بنفس القدر في السجلات التاريخية.

بحيرة عين الصيرة تقع جنوب الفسطاط، وكانت في القرن الماضي بحيرة كبريتية مشهورة بقدرتها على علاج الأمراض الجلدية. ومع مرور الزمن، تحولت إلى منطقة عشوائية تستخدم لغسيل الحيوانات والمركبات وتصريف الصرف الصحي، وأصبحت ملوثة بالصرف الصحي وتحولت إلى مستنقع للحيوانات ومصدر للتعديات.

وضح الأرشيف الصحفي المصري في عشرينيات القرن الماضي أن الزلازل تسببت في انهيار المباني وتعطيل المجاري المائية وتكون البحيرات، وكانت الخسائر البشرية الناجمة عن الزلازل لا تُقارن بأضرار الحروب.

ومع ذلك، فإن تأثير الزلازل على بحيرة عين الصيرة لم يكن محدودًا فقط للتأثير البدني على المباني والبنية التحتية، بل كان له أيضًا تأثير كبير على البيئة المحيطة واستخدامات البحيرة. تسببت الزلازل في تغيير تضاريس المنطقة المحيطة بالبحيرة عين الصيرة ، مما أدى إلى تشكيلها بشكل مختلف وتأثيرها على جودة المياه وتوفرها للاستخدام البشري. كما أن الأضرار البيئية الناجمة عن الزلازل قد أدت إلى استنزاف موارد المياه الكبريتية التي كانت تُعتبر مصدرًا هامًا للعلاج والاستشفاء.

وتُظهر التقارير الصحفية التي نُشرت خلال زلزال عام 1926 جدولًا يوضح أبرز الزلازل التي حدثت في مصر منذ زلزال عام 27 قبل الميلاد وحتى العصور الحديثة، مثل زلزال عام 1870 الذي شعر به سكان الإسكندرية والإسماعيلية والقاهرة، وزلزال عام 1887 الذي أسفر عن دمار منازل في مصر والسودان وغيرها من الزلازل.

ويشير الأثري سامح الزهار إلى أن بحيرة عين الصيرة قريبة من هضبة المقطم، التي تضم عيونًا كبريتية أخرى مثل عين السخنة، وهي هضبة جيرية. ويؤكد أن مصر منذ القدم كانت تشتهر بوجود عيون كبريتية مثل عين حلوان وغيرها، مما يشير إلى تاريخ طويل لاستخدام المياه الكبريتية في العلاج والاستشفاء.

قد يكون زلزال عام 1926 ساهم في توسيع بحيرة عين الصيرة، لكن البحيرة نفسها تعود لفترة قبل الزلزال. وقد أشاد الزهار بالجهود التي قامت بها الدولة لتطوير بحيرة عين الصيرة وتحويلها إلى منطقة جمالية وتراثية تُعتبر مكانًا مميزًا في القاهرة المعاصرة.

والجدير بالذكر، أنن جهود الدولة في تطوير بحيرة عين الصيرة تتضمن إزالة العشوائيات في منطقة عين الحياة وإزالة مركز شرطة مصر القديمة ومركز شباب الإمام الليث، وتم أيضًا تنظيف بحيرة عين الصيرة من المخلفات الصلبة وتهوية المياه لاستعادة جاذبيتها الطبيعية، بالإضافة إلى إنشاء جزيرة صناعية ونوافير ومساحات خضراء ومناطق ترفيهية ومطاعم ومسرح مكشوف.

تهدف هذه الأعمال إلى استعادة رونق وقيمة منطقة بحيرة عين الصيرة التاريخية وتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية تنافس الوجهات الأخرى. وشملت جهود التطوير أيضًا إنشاء عدد من الجسور لتحسين تنقلات المرور وتحسين البنية التحتية في المنطقة، مما أدى إلى تغيير جذري في مظهر المنطقة من القبيح إلى الجميل.