قرارات أمير الكويت .. بداية لاستعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي

جانب من جلسات مجلس الأمة الكويتي
جانب من جلسات مجلس الأمة الكويتي

لا أبالغ إذا قلت إن القرارات التى أعلنها الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، مساء أول أمس الجمعة، بحل مجلس الأمة والذى تم انتخابه فى الرابع من أبريل الماضى وتعليق العمل ببعض مواد الدستور التى تتطلب مصادقة من مجلس الأمة على أن يتولى الأمير والحكومة اختصاصات التشريع لم تكن مفاجأة للمتابعين عن كثب للحالة الكويتية والتى تعيش حالة تأزم سياسى منذ سنوت نتيجة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ونتج عنها العديد من التغييرات الوزارية وحل لمجلس الأمة ثلاث مرات والذهاب إلى الانتخابات أربع مرات خلال السنوات الأربع الماضية الأولى فى يناير ٢٠٢٠، والثانية فى سبتمبر ٢٠٢٢ والثالثة فى يونيو من العام الماضي والأخيرة في الخامس من أبريل الماضي، ويتوافق ذلك مع تراجع على الصعيد الاقتصادى بمقارنته باقتصاديات مثيلتها من دول الخليج الأخرى، فمنذ اللحظة الأولى مع إعلان نتائج الانتخابات، وكان هناك شبه يقين بأنها بداية أزمة جديدة دون أن تمثل انفراجة وسط مجموعة من المؤشرات نتوقف عند بعضها. 

 أولًا  : بقاء الحال على ما هو عليه وعدم حدوت أى تغيير فى تركيبة مجلس الأمة، حيث نجحت المعارضة فى الاحتفاظ بعدد مقاعدها والتى وصلت إلى ٢٩ مقعدًا، كما كان الحال فى المجلس السابق، كما حافظ ٣٩ نائبًا سابقًا بمقاعدهم وغالبيتهم من الإسلاميين، وفشل ٩ نواب من المجلس السابق فى العودة إلى مقاعدهم بنسبة تغيير وصلت إلى ٢٢ بالمائة، كما خسر الإخوان مقعدين وأصبح لهم نائب واحد فى البرلمان، وفاز التيار السلفى بستة مقاعد، كما زاد عدد النواب الشيعة إلى ثمانية بدلًا من سبعة فى المجلس السابق، كما فازت امراة واحدة وهو نفس الوجود فى المجلس السابق، كما حافظت القبائل على نسبتها فى المجلس واستطاعت أن تحصل على ١٥ مقعدًا، العوازم ٦، والعجمان على مقعدين من أصل ثلاثة والهواجر على اثنين، والعتبان على ٢، ومقعد لأربعة من القبائل الأخرى، ويفسر هذا أن ناخبى القبائل والتقليديين لا تتأثر مشاركتهم ويتم التعويل على الأصوات العائمة أو المترددة، وكان من الملفت حصول النائب عبدالكريم الكندرى على أعلى نسبة تصويت، وهو الذى تسببت تصريحاته فى حق الأمير فى حل المجلس، وقد يكون هذا التصويت العقابى أو المنحاز إلى مرشحى المعارضة نتيجة ما يتم تصويره عن تقاعس الحكومة فى اتخاذ قرارات باتجاه تحسين المعيشة وتآكل الطبقة الوسطى، بالإضافة إلى عدم القيام بإصلاح سياسى واقتصادى، وكانت هناك خطة إصلاح اقتصادى تم إقرارها منذ عام ٢٠١٨، لتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط رغم أن النواب يتحملون جزءًا كبيرًا من الأزمة..

 ثانيًا  : إن هذه النتائج لم تلبِ الرؤية التي عمل عليها الشيخ مشعل منذ توليه مهام منصبه والتى سبق أن أكدها  فى أكثر من مناسبة من إيجاد علاقة تناغم وتوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بديلًا عن الصراع الذى ساد العلاقة خلال السنوات الأخيرة الماضية، كما وجّه إلى النواب انتقادات شديدة نتيجة الإسراف فى استخدام سلاح الاستجوابات وإلى الحكومة لدخول المقايضات بينهما بحثًا عن إرضاء النواب والدخول فى صفقات وتبادل مصالح على حساب الصالح العام. 

 ثالثًا  : لجوء الأعضاء الجدد إلى الأزمات منذ اللحظة الأولى لإعلان النتائج حتى قبل اكتسابهم شرعية العضوية من خلال حلف القسم فى الجلسة الإجرائية الأولى والتى كانت موعدها محل أزمة مبكرة بعد صدور مرسوم أميرى بتأجيل موعد عقد الجلسة الأولى للدور العادى الأول بالفصل التشريعى ١٨ إلى بعد غدٍ الثلاثاء وذلك لمزيد من المشاورات حول المرحلة القادمة بدلًا من ٢١ أبريل فى خلاف حول تفسير مواد الدستور، حيث أصر النواب على عقد جلسة يومها واستمرت دقيقين تثبيتًا للحق الدستورى كما قال النواب والذى مثّل تحديًا للمرسوم الأميرى بتأجيل الجلسة.

 رابعًا  : توالى الأزمات نتيجة تصريحات من النواب حتى قبل انعقاد الجلسة الإجرائية الأولى وهو ما كشف عن بعضها الأمير مشعل فى خطابه مساء الجمعة الماضى، ومنها تدخل بعض النواب فى صميم اختصاصات الأمير فى اختيار ولى العهد، رغم أن دور مجلس الأمة فى هذا الأمر لاحق، وكذلك العراقيل التى تم وضعها أمام رئيس الوزراء المكلف أحمد عبدالله الصباح؛ لإتمام التشكيل والذى قبل تولى المنصب بعد اعتذار الشيخ محمد الصباح عن الاستمرار الذى لم يتول الوزارة سوى ٨١ يومًا فقط، وكان يملك رؤية اقتصادية قد تنهى تراكمات السنوات الماضية وتعيد الكويت إلى وضعه الطبيعى فى إطار منظومة الاقتصاديات الخليجية، كما اعتذر أيضًا الشيخ صباح خالد الحمد والذى سبق له أن تولى رئاسة الوزراء أربع مرات خلال السنوات القليلة الماضية، وقد وجد رئيس الوزراء المكلف صعوبة فى التشكيل نتيجة اعتذار عدد من نواب مجلس الأمة على الدخول للوزارة كاعتقاد جازم بأنها لن تستمر وسيفقد بذلك جزءًا كبيرًا من شعبيته دون أى مكاسب، كما هدد بعض النواب باستجواب وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف إذا تم إعادة توليه المنصب فى التشكيلة الجديدة على خلفية أن الوزير فتح أحد الملفات المسكوت عنها فى الكويت وهى الجنسيات المزورة التى حصل عليها البعض بطرق ملتوية وغير شرعية، وزاد على ذلك إعلان الوزارة تخصيص خط ساخن للبلاغ عن تلك الجنسيات فى اتجاه لسحبها، وذلك للحفاظ على الهوية الوطنية الكويتية.

وبعد فإن الكويت على أبواب مرحلة جديدة منذ قرارات العاشر من مايو الحالى تختلف بشكل جذرى عما سبقها بقرارات الشيخ مشعل بحل المجلس وتعليق بعض مواد الدستور، وقيامه مع الوزارة بما يلزم من إصدار التشريعات، ويهمنى هنا الإشارة إلى أنها المرة الثالثة فى تاريخ الكويت التى يتم اللجوء إلى الخيار الصعب، والذى تم مرتين، الأولى فى عام ١٩٦٧ واستمر الحل لأربع سنوات، والثانية ١٩٨٦ واستمر أكثر من ست سنوات، ولعل الفترة القادمة وإن كانت غير محددة قد تتيح أمام الحكومة القيام ببرنامجها وتنفيذ خطط التنمية خاصة وأن هناك من يعتبر المجلس هو العائق أمام تنفيذ برنامج الحكومة.