بعد تراجيديا السرطان وموت الابن ..رحيل بول أوستر.. وريث فوكنر

بول بنيامين أوستر
بول بنيامين أوستر

حارس الماضى الأدبى لبروكلين والجيل الوريث لفوكنر، رحل الروائى الأمريكى فى نيويورك بعد معاناة مع السرطان وبعد سنوات من تراجيديا موت ابنه وحفيدته.

رحل الكاتب الأمريكى اللامع بول أوستر مساء الثلاثاء متأثرًا بسرطان الرئة، بعد عام من إعلان زوجته، الكاتبة سيرى هودستفدت، عن مرضه، وبعد أشهر قليلة من صدور روايته الأخيرة «بومجارتنر»، وهى الرواية التى تختم خمسة عقود من الكتابة وتشكّل شهادته الأدبية.

حظى أوستر بشهرة عالمية عن طريق كتبه الأدبية، لكن كذلك عبر السينما، مثل فيلم تدخين»، مع هارفى كيتيل فى دور البطولة؛ وحققت له «ثلاثية نيويورك» ورواية «4321» نجاحًا قاطعًا ككاتب كاريزمى وعرّاب لحى بروكلين، ونال العديد من الجوائز الكبرى، ورغم أن جائزة نوبل هربت منه، إلا أنه نال الاعتراف النقدى- ووصفه الملحق الأدبى لجريدة تايمز البريطانية بأنه «أحد الكتاب الأمريكيين الذين يتمتعون بأدب مذهل»- ونحت لنفسه اسمًا كبيرًا فى عالم الأدب.

كاتب نيويورك 
ولد أوستر بولاية نيوجيرسي، إلا أنه أحد أعلام المشهد الثقافى النيويوركي، وهى ولاية لم يهجرها إلا بعد تشخيصه بالسرطان. لقد عانى الكاتب الأمريكى من الضعف العام من قبل حتى إعلان مرضه، وكلما ظهر فى حفل عام، كما حدث فى تكريم الكُتّاب لسلمان رشدي، كان يبدو عليه الوهن، خاصةً عقب كارثة فقدان ابنه وحفيدته.

يعتبر بول أوستر كاتبًا غزير الإنتاج، يكتب الرواية والمذكرات والسيناريو، وقد انطلق إنتاجه فى الثمانينات مع إعادة إبداع رواية الرعب. صُنِّف صاحب «اختراع العزلة» كـ «سوبر ستار أدبي» فى وسائل الإعلام، وتميزت أعماله بتتبع إيقاع مدينته المتبناة، وكان هو نفسه البطل فى شطر كبير من أعماله، وظل مخلصًا لبروكلين، حيث أقام منذ 1980، بين شوارع مطوقة بأشجار البلوط وبين بيوت من الحجر الأحمر تشكّل طبوغرافية منطقة بارك سلوب، الحى الذى عاش فيه بالذات.

كلما كانت شهرته تتزايد، يتأكد أنه حارس الماضى الأدبى الثرى لبروكلين، وكذلك يتأكد أنه أحد أبرز كتاب جيل هو الوريث لفوكنر العظيم، بجانب فيليب روث.

لمسة أوروبية
لم يخلُ أدب بول أوستر من لمسة أوروبية جعلته، مثل وودى آلن وأفلامه، كاتبًا يحظى بتقدير القارة العجوز. فى فرنسا، حيث عاش فى شبابه، فاز بالعديد من الجوائز الأدبية، وغدا واحدًا من كتاب أمريكيين قليلين يرحب بهم الفرنسيون كابن بالتبني. حد أن مجلة نيويورك كتبت عام 2007 «بول أوستر أحد نجوم الروك فى باريس».

وفى المملكة المتحدة، كان مرشحًا لجائزة المان بوكر عن روايته «4321»، الصادرة عام 2017، وتحكى أربع روايات متوازية عن السنوات الأولى فى حياة بطلها. ثمة موازاة أخرى فى حياة أوستر، موازاته مع فيليب روث، أبوه الأدبى الذى لم يرغب فى قتله ليفتح لنفسه طريقًا فى عالم الأدب: كلاهما من أصول يهودية ومن نيوجيرسي.

انطلقت مسيرة أوستر عام 1982، مع مذكراته «اختراع العزلة»، وهى تأمل قلق حول علاقة بعيدة مع أبيه. تعرضت روايته الأولى «مدينة من زجاج» للرفض من 17 دار نشر قبل أن تنشر فى دار صغيرة بكاليفورنيا عام 1985. وفجأة تحول الكتاب فى جزئه الأول لعمله الأكثر شهرة: «ثلاثية نيويورك»، ثم تم جمع الأجزاء فى كتاب واحد. لقد باتت الثلاثية واحدة من أهم 25 رواية نيويوركية فى المئة عام الأخيرة بحسب ملحق النيويورك تايمز. 

تحكى «مدينة من زجاج» قصة كاتب روايات ألغاز يترنح من الفقد -وهو موضوع حاضر فى أعمال أوستر، أولًا فقد الأب، ثم فى الشطر الأخير من حياته التراجيديا المزدوجة بفقد حفيدته وابنه، بعد أن أدمن الأخير المخدرات- ومن خلال رقم خاطئ، تلتبس هويته بهوية مخبر سرى يدعى بول أوستر. ثم يتلبس البطل هوية المخبر، ويضيع فى عمل التحرى فى الحياة الواقعية فيما ينحدر نحو الجنون.

عادات أوستر
كرر صاحب «كتاب الأوهام» فى أكثر من مناسبة أنه يفضّل قراءة إميلى برونتى أكثر من قراءة أى من معاصريه؛ وأنه يتجنب الكمبيوتر ويكتب بالقلم فى كراسات. ثم صار يستخدم آلة كتابة قديمة ماركة أوليمبيا ليعيد كتابة مخطوطاته. وفاءً لها، خلد هذه الآلة فى كتابه «قصة آلة كاتبة» الصادر عام 2002.

يمثّل أوستر نموذج الكاتب الكلاسيكى المعاصر، أو المعاصر بطرق كلاسيكية. 

منذ عام كتبت زوجته سيرى هودستفدت على صفحتها على الانستجرام عن قسوة العلاج الذى يتلقاه أوستر: «الحياة فى مكان يسمى كانسرلاند» أى أرض السرطان. وفى أرض السرطان رحل صاحب «رجل فى الظلام»، لكنه سيبقى فى النور.