في مئوية تأسيسه.. «نادي السيارات» تاريخ من الحكايات

إحدى السيارات الكلاسيكية المشاركة فى « الكرنفال»
إحدى السيارات الكلاسيكية المشاركة فى « الكرنفال»

عائشة المراغى

فى العقد الأخير من القرن التاسع عشر؛ أصيب الفلاحون بالذعر، وراحوا يهرولون يمينًا ويسارًا خوفًا من ذلك «العفريت» الذى يسير بقوة «الشيطان» دون أن تجرَّه أى دابة. لكن مشاعرهم سرعان ما تحولت إلى غضب وعداء تجاه مالكه «الأمير عزيز حسن» حفيد الخديو إسماعيل، الذى جلب معه من ألمانيا إلى مصر أول «سيارة» فرنسية الصنع. لم تكن الطرق ممهدة – وقتذاك – لاستقبال هذه الآلة الحديثة، فأتلفت المحاصيل وقتلت الدواب، وكاد الأمير – فى المقابل – أن يفقد حياته!

من هنا اقتضت الضرورة أن يتم تجهيز طرق لتلك المركبات الجديدة كى تسير عليها، ومع مطلع القرن العشرين بدأ التفكير فى إنشاء نادى يهتم بشئونها، ويضم فى عضويته؛ مالكيها قليلى العدد، ووقع الاختيار على مبنى فى شارع «الشواربي» بوسط البلد ليكون مقرًا له، لكن الفكرة لم تكتمل بسبب الظروف السياسية واندلاع الحرب العالمية الأولى، ما ترتب عليه أن يتأسس النادى – رسميًا – للمرة الأولى عام 1924، فى مقره الحالى بشارع «قصر النيل»، وبالتالى يكون العام الحالى هو مئوية تأسيسه.

على هامش الاحتفال بالمئوية – المستمر طوال العام – أقام النادى مؤخرًا؛ «كرنفال السيارات الكلاسيكية» تحت رعاية رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، بمشاركة حوالى 50 سيارة من أصل 2400، اقتناها مالكوها الحاليون وشُغِفوا بتفاصيلها، أدركوا ندرتها وتعهدوا بالحفاظ عليها وصيانتها، ولكل سيارة منها حكاية.



من المستحيل أن تتسع سطورنا لسرد كل الحكايات، فهى تروى تاريخًا متكاملًا؛ للبشر والوطن، لكن بعضها اكتسب أهمية إضافية لارتباطه بمواقف فى حياة شخصيات بارزة، وإن انتقينا منها بدءًا من الأكثر قدمًا وعراقة، سنعود لسيارة الملك فاروق «رولز رويس 38» التى تصدرت مسيرة السيارات الكلاسيكية فى 2024؛ منطلقة من أمام مقر النادى فى شارع قصر النيل إلى ميدان التحرير وكوبرى قصر النيل وميدان الأوبرا، مرورًا بوسط البلد وميدان سليمان باشا، ثم العودة إلى نادى السيارات مجددًا. 

تلك السيارة شهدت زفاف الملك فاروق على الملكة ناريمان، ولذلك، ونظرًا للارتباط الكبير بين تاريخ العائلة الملكية ونادى السيارات؛ حرص الملك أحمد فؤاد الثانى «آخر ملوك مصر والابن الأصغر لفاروق وناريمان» على المشاركة فى «الكرنفال» للمرة الثانية على التوالى، ليتعرف – حسب تعبيره – على المزيد من ذكريات والده فى النادى ومن أصدقائه.

وانتقالًا للعقد التالى سنجد سيارة ليلى مراد «جيب ويلز 43» التى شدت فوقها بأغنيتها الشهيرة مع نجيب الريحانى «عينى بترف.. وراسى بتلف.. وعقلى فاضله دقيقة ويخف». 




أما سيارة عبد الحليم حافظ «فورد ثندربيرد 1956» فلها رواية تقول إنه بعد توقيعه لعقد فيلمه «الوسادة الخالية» مع رمسيس نجيب؛ لاحظ حليم أن نجيب اقتطع نصف القسط الأول من أجره، فاندهش وسأله، لكنه لم يتلق إجابة فورية وطُلب منه الانتظار قليلًا، ليفاجأ عبد الحليم عند مغادرته للمكتب أن رمسيس نجيب يقدم له مفتاحًا فى سلسلة ذهبية قائلًا «بطل أفلامى ما يركبش تاكسيات». وبذلك تكون تلك هى السيارة الأولى لحليم، والتى خلَّدتها مشاهد الفيلم مع الجميلة لبنى عبد العزيز.

وفى الستينيات سيطرت سيارات «كاديلاك»، وكانت هى المتصدرة فى صور ولقطات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكذلك مع سيدة الغناء العربى «أم كلثوم»، لكنها لقيت مصيرًا مأساويًا، فتلك السيارة كانت قد تلقتها كهدية من أحد معجبيها واستخدمتها لفترات كبيرة، وبعد وفاتها بيعت لأحد التجار وانتهى بها المطاف إلى مكب للنفايات. لحسن الحظ أنه بعد انتشار صور لها قبل سنوات؛ تحركت بعض الجهات الحكومية لإنقاذ السيارة وترميمها، وعرضها فى متحف أم كلثوم فى القاهرة.

واستمرت السيارة «كاديلاك» فى تصدر المشهد خلال السبعينيات كذلك، ورافقت الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى جولاته، بل وغيره من الشخصيات السياسية والفنية البارزة حول العالم. لازالت السيارة حتى الآن مملوكة للرئاسة، وشاركت فى «الكرنفال» مزينة بنموذجين صغيرين من علم مصر، وبجوارها «كتالوج» يستعرض صور المشاهير داخلها أو فوقها، ومنهم «جيمى كارتر» و«ديفيد روكفلر» و«ألفيس بريسلي» وغيرهم.



تلك السيارات وحكاياتها، وغيرها؛ يخشى مالكوها أن تندثر مع الزمن، ولذلك يطالبون منذ سنوات بمساندة الدولة فى إنشاء متحف قومى لها، على غرار المتاحف المثيلة فى الأردن والعراق وإيران، لأنها – كما يقول منير الزاهد، رئيس غرفة السيارات الكلاسيكية بالنادى – تراث لا يجب أن يخزن داخل «الجراجات» بل يجب أن يُعرَض، مضيفًا: «تلك السيارات بمثابة ثروة قومية، وسيكون لها دور مهم ورئيسى فى الترويج السياحي، إذ ستكون مزيجًا من السياحة التراثية والثقافية، وستكون مدرجة على قائمة المزارات السياحية. ومن ناحية أخرى؛ يجب أن يتعرف طلبة المدارس والجامعات على تاريخ بلدهم من خلال تلك السيارات».