«دروس فى الحب» من موسيقار الأجيال فى ذكراه الـ 33

دروس فى الحب
دروس فى الحب

لا أحد يعرف تاريخ ميلاد محدداً لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، قال من زاملوه فى بداية مشواره الفنى:  إنه من مواليد عام 1897، وقال آخرون: إنه من مواليد عام 1900، بينما تؤكد بطاقته العائلية أنه من مواليد 1910 لكن شيخ الكتاب توفيق الحكيم عندما نادى عليه الدكتور مصطفى كمال حلمى لرئاسة الجلسة الإجرائية بمجلس الشورى بصفته أكبر الأعضاء سناً، فتهرب قائلا: «زميلى الأستاذ محمد عبد الوهاب أكبر منى سناً وهو الأحق برئاسة الجلسة»، فوقف محمد عبد الوهاب قائلاً: «الأستاذ توفيق هو الأكبر منى سناً باعتباره من مواليد 1902 أما أوراقى الرسمية الموجودة بالمجلس فهى تؤكد أننى من مواليد 1910والفارق بينى وبينه ثمانية أعوام، فقال الحكيم: «الأستاذ محمد عبد الوهاب من مواليد 1901 وعدل تاريخ ميلاده»، فقال موسيقار الأجيال: «هذا التاريخ دونه الموظف بالخطأ عندما وضع الصفر بالداخل بدلاً من أن يضعه بالخارج، وقد تم تصحيح الخطأ». 


أياً كان تاريخ ميلاده المُختلف عليه فتاريخ رحيله وثقته الصحف وأجهزة الإعلام عندما كلل  الحزن مصر والعالم العربى فى الرابع من مايو 1991، وفى ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين نقدم الحوار الذى اقتنصته مجلة «الكواكب» منه واختارت له عنوان «محمد عبد الوهاب يقدم لنا حصة حب»، وقالت المجلة فى بداية الحوار الشيق: 
- هذا هو الحب كما يراه المتهم دائماً بالحب موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، إنه الفنان الوحيد فى مصر.. الذى ظلت الشائعات تحوم حول اسمه ثلاثين عاماً كاملة، منذ أن كان يافعاً.. والشائعات تدور وتنحصر فى أمر واحد، محمد عبد الوهاب «دون جوان»، وهو الموسيقار الوحيد الذى كانت تأول كل أغنية جديدة له على أنها من وحى قصة حب عنيفة.. أو أنها لُحنت على إثر مغامرة خفق لها قلبه، ومحمد عبد الوهاب بالرغم  من كل هذا يتحاشی دائماً فى أحاديثه الصحفية «سيرة الحب» حتى لا يزيد الشائعات، وحتى يبعد شبح هذه العاطفة عن خيال الناس، ولكنه، هذه المرة - وبلا مناسبة - فاتحنى فى الحب، كنت أزوره فى بيته، وكان متوعك المزاج فاستقبلنى فى حجرة نومه، وكان يبدو ساهماً شارد الفكر، وكانت صورته هذه جديدة بالنسبة لى، فقد اعتدت على أن أراه حاضر الذهن متحفزاً للإجابة اللبقة على كل ما يُوجه إليه من أسئلة، نظر إلىّ طويلاً ثم قال : «أتعرف ما هو الحب؟ وهل وصفه الواصفون فى صدق ودقة ؟ وهل تعرف كيف كان الحب قديماً فى مصر؟ وكيف هو الحب اليوم ؟ إننى سأحدثك فى هذا الموضوع حديث العارف  الخبير وخذها منى حصة فى الحب !
وبدأ الموسيقار محمد عبد الوهاب حديثه الطريف قائلاً : «وكلما تقدم الإنسان  فى العمر، زادت معرفته بأساليب الحياة، ووسعت تجربته بخداعها ونعيمها وبؤسها، ولعل فى مقدمة مشاكل الحياة التى يجابهها الرجل ويعانى من أمرها الشيء الكثير، مسألة المرأة.. فهی تلعب فى حياة كل رجل دوراً مهماً، وتستأثر من وقته وتفكيره بنصيب كبير. 


هذه المرأة تبدو فى بداية العلاقة العاطفية حصناً مغلقاً يتطلع إليه الرجل بإحجام وهيبة، فإذا ما اكتشف بعض خفايا ذلك الحصن بدت له المرأة لغزاً غامضاً فيسقط فى يده ويصعب عليه الأمر، وما أن تمر هذه المرحلة التى يكون الإنسان خلالها محموماً وواقعاً تحت تأثير غرامه حتى ينكشف له السر ويدرك آخر الأمر أن ما ظنه مشكلة  لم یكن إلا لعبة من الألاعيب فيبدأ فى الانتقام لنفسه وتكون النتيجة أن يكتشف الرجل قوته وضعف المرأة وتأثير الوهم على أعصابه !
وهناك حالات عكسية يعبث فيها الشاب بقلب بعض حالاته تبدو فيها المرأة هى الآمرة الناهية، ومن ذلك غرام نابليون القائد الحديدى لجوزيفين التى لعبت بقلبه وعبثت بشرفه، وهناك آفاق متسعة فى ميادين الحب، وأعتقد أن الحب فى مصر لا وجود له بالقدر الذى يسمح للأقلام بأن تخوض فى وقائعه المثيرة.
ومنذ خمسين عاماً لم يكن الحب فى مجتمعنا يثير العواطف التى يثيرها اليوم، بل إننى أقول: إن الحب زمان كان معدوماً بين الرجل والمرأة ولكن كانت هناك مغامرات عاطفية تجرى باسم الحب، ولم يكن للحب فيها أی نصیب وكان الحجاب أمراً مقرراً على نساء المجتمع المصرى، وكان خيال الرجل يثير عواطفهن وكانت الواحدة منهن - وهى الظمأى إلى الحب إذا ما سنحت لها الفرصة ليختلى بها الرجل تعلم أن خلوتها لن تدوم، وقد لا تُكرر، فكان يدفعها هذا الشعور إلى أن تقنع نفسها بأنها تحب هذا الرجل ، لترضى صلفها وكبرياءها ، وينتهى اللقاء بينهما والرجل على وهم من أنها تحبه، وهذا ما كان يجرى فى المجتمع فى الماضى عندما كان الحجاب مضروباً على المرأة وهذا هو صورة الحب زمان، فهل نسميه حباً ؟ بالطبع «لا». 


أما اليوم.. فأعتقد أن الحب فى أقوى مظاهره وأعنف مراميه، فالحجاب عن المرأة مرفوع، والاختلاط بين الرجل والمرأة أصبح أمراً عادياً، والرجل منا يستطيع أن يشاهد ويجالس ويحادث العشرات من بنات حواء، ويمكن للشاب أن يستعرض فى ذهنه صور عشرات الفتيات ممن يلتقى بهن، ويظل ينقب ويبحث حتى يعثر على ضالته المنشودة وعندها يقع فى الحب، وهذا هو الحب القوى الشديد الذى يصعب على من يحس به أن يتخلص منه، فالحب ينمو ويزدهر فى هذه الأيام على غير ما كان يجرى فى الماضى »
قلت : وأنت يا «دون جوان».. هل وقعت فى الحب زمان والآن ؟
فقال الموسيقار: إنه درس فى الحب لا أكثر ولا أقل، فلا تخرج به إلى الدائرة الشخصية !
«الكواكب» - 24 أبريل 1956