الموقف السياسى

دروس فى المواطنة

محمود بسيونى
محمود بسيونى

 

يقدس المصريون النور ويحتفلون به، وقامت الحضارة الفرعونية القديمة على النور باعتباره أحد مسببات الوجود والحياة، يقول الانجيل فى سفر التكوين وَقَالَ للهُ: « لِيَكُنْ نُورٌ فَكَانَ نُورٌ، وقال القرآن فى سورة النور (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) وتفسيرها يدبر الله سبحانه وتعالى الأمر فيهما ويهدى أهلهما.

اهتدوا إلى الله بالنور، واجتمعوا على قدسية النور، وعبر النور عرف المصريون التعايش واتفقوا على المواطنة واحترام عقائد بعضهم البعض فكان درس المواطنة الأول من مصر عاصمة النور الإلهى إلى كل العالم.

تماسك مصر هو سر قوتها الأبدية، لم تعرف الانقسام منذ توحيدها على يد مينا موحد القطرين، وكان مجتمعها المتوحد سلاحها فى مواجهة مخططات التقسيم، ونجت بفضل الله وبوحدة شعبها، لم يرفع الرئيس عبد الفتاح السيسى قبضته المضمومة بإشارة الوحدة باعتبارها قوة مصر من فراغ لقد اختبر هذه القوة فى مواجهة عواصف عديدة واجهت سفينة الوطن ووصلت لبر الأمان بالتفاف شعبها حول دولته.

تتجلى وحدة المصريين فى الأعياد، فكلها أيام فرحة وسعادة، لا تعترف باختلاف الديانة فالمسلم يفرح للمسيحى والعكس، وفى الفرحة تحد للمتشددين، الكل يتبادل التهانى ويتمنى الخير لمصر وشعبها.

بَنت الجمهورية الجديدة نفسها على ثوابت الشعب المصرى وأهمها تعزيز فكرة التعايش واندماج مكونات المجتمع، ورسخ الرئيس السيسى ذلك بحرصه على تهنئة المسيحيين بالأعياد وحضوره قداس عيد الميلاد كأول رئيس مصرى عقب توليه المسئولية ليتحول بعد ذلك إلى تقليد رئاسى يدخل السرور على قلوب كل المصريين.

تبرع الرئيس من ماله الخاص لبناء أول مسجد وكنيسة فى العاصمة الإدارية، وأصبح بناء المسجد والكنيسة محوراً رئيسياً فى كل مشروعات الإسكان الجديدة، حتى مراكز الإصلاح والتأهيل أصبح لديها كنائس لأول مرة وتقوم وزارة الداخلية بالتعاون مع الكنيسة بتوفير كل متطلباتها لخدمة نزلائها من المسيحيين.

وعقب صدور قانون بناء الكنائس الموحد، قامت الحكومة بإنشاء لجنة لتقنين أوضاع الكنائس وقامت بتقنين مئات الكنائس فى انتصار كبير من جانب الجمهورية الجديدة للعدالة والمساواة والمواطنة.

ولا يخفى على أحد هذه الوحدة تمثل إزعاجا كبيرا وتقف سدا منيعا أمام المتربصين بمصر، ولذلك كان هدفهم ولايزال إفساد أواصر المحبة بالحوادث المفتعلة وتمرير المعلومات المغلوطة وتعكير الصفو بإثارة الفتن وشحن ضعاف العقول وقليلى المعرفة. 

الدرس الثانى للمواطنة فى الجمهورية الجديدة كان مع المصريين من سكان سيناء وقبائلها، فبعد سنوات من التهميش أصبحت سيناء وأهلها فى بؤرة تحركات واهتمامات الدولة، وتدفقت مياه النيل لأول مرة فى التاريخ إلى أرض سيناء عبر ترعة السلام وبدأت الدولة فى إنشاء مجتمعات عمرانية تحافظ على الطبيعة البدوية وفى ذات الوقت توفر كل الخدمات وسبل الحياة الكريمة لأهلنا فى سيناء من طرق ومستشفيات ومدارس وجامعات.

وكان لى شرف الحضور ضمن وفد يضم سياسيين وإعلاميين ورياضيين ورموزا مجتمعية لمؤتمر اتحاد القبائل العربية الأول، وتدشين مدينة السيسى، وخلال طريقى للاحتفال شاهدت صور الشهيد أحمد المنسى يعانق الشهيد سالم لافى ابن قبيلة الترابين، وتابعت الاحتفاء الكبير بالمشروع من أبناء سيناء، فهو على أرض روتها دماء الشهداء من الجيش والشرطة والقبائل دفاعا عنها وحان وقت العمران.

اتحاد القبائل العربية ينطلق من الدور الوطنى التاريخى لقبائل سيناء الذين تصدوا للاحتلال الإسرائيلى والإرهاب الإخوانى والجماعات التكفيرية، وقد بذل الرئيس السيسى جهدا كبيرا من أجل الوصول إلى حالة الرضا الشعبى فى سيناء على أداء الدولة، وضم القبائل وخاصة الشباب إلى حاضنة الدولة وبناء الانتماء إلى مصر بداخلهم، وظهرت النتيجة فى الحرب على الإرهاب وكان أبناء سيناء فى طليعة الصفوف بجوار الجيش والشرطة.

نفس الأمر تكرر فى مطروح والصعيد وتجمعت القبائل العربية داخل مصر حول فكرة اتحاد القبائل، واختيار الرئيس السيسى رئيساً شرفياً، واختيار الشيخ إبراهيم العرجانى رئيساً للاتحاد، لتصبح أمام كيان وطنى جامع داخل الدولة الموحدة، يساهم فى بناء المواطنة والانتماء داخل الجمهورية الجديدة.

الدرس الثالث فى المواطنة وهو الانحياز للعمال وتشغيل المرأة وتوفير فرص عمل كريمة لذوى الهمم فى الوظائف المختلفة وهو ملف ظهر فيه إصرار من الرئيس السيسى على تمكين المرأة وذوى الهمم، وربما أخص بالذكر اهتمامه الكبير بالعمالة غير المنتظمة، وكانت توجيهات الرئيس مباشرة وصريحة فى تقديم كل الدعم لهذه الفئة خاصة مع ظهور تداعيات فيروس كورونا وقامت المنحة الرئاسية، الاستثنائية، بصرف 4٫586 مليار جنيه، لمواجهة تداعيات كورونا واستفاد منها أكثر من 289 ألف عامل، كما بلغ إجمالى تعويضات بوليصة التأمين على الحياة 13 مليونًا و32 ألفا و670 جنيها استفاد منها 113 من العمال المسجلين وأسرهم.

وفى خطاب عيد العمال أمر الرئيس السيسى بتخصيص خمسة مليارات جنيه دعما لصندوق إعانات الطوارئ للعمال وزيادة قيمة الحد الأدنى للإعانة التى يصرفها صندوق إعانات الطوارئ للعمال، من مبلغ 600 جنيه إلى مبلغ ألف وخمسمائة جنيه كحد أدنى للعامل.

الدرس الرابع هو الحوار الوطنى واهتمام الدولة بالمعارضة السياسية وأصحاب الفكر المختلفين، وكانت استجابة الرئيس لمطالبهم أمرا فى غاية الأهمية، لأنه يجعل أرضية الوطن رحبة أمام الجميع دون تخويف أو تخوين ويضع حياة ديمقراطية سليمة تليق بالجمهورية الجديدة.

لا تنتظر مصر دروسا من أحد لا باسم الديمقراطية والحريات ولا حقوق الإنسان، فهى على مر الزمن فجر الضمير وأرض التعايش ودولة القانون والعدالة، والثابت فيها دائما ونقطة انطلاق الجمهورية الجديدة هى أن مصر وطن واحد يتسع للجميع.